الشريط الإخباري

المفكر العربي ذوقان قرقوط.. مجمع فكري وإرث معرفي

السويداء-سانا

97 عاما هي عمر المفكر والباحث العربي والمؤرخ الدكتور ذوقان قرقوط جمعها بجمل قيمة وفي غضون ساعات قليلة استذكر خلالها حقبا تاريخية ومفصلية مهمة ليحمل قرقوط الابن والطالب والمربي والوزير في فكره مشروعا وطنيا نضاليا رافقه في جميع مراحل حياته.

ويبدأ الدكتور قرقوط سرد مسيرته خلال حديثه لـ سانا بالقول “انطلقت في أبحاثي واهتمامي بالشأن العربي من عدم قدرة العرب على التعريف عن أنفسهم وبقائهم مجهولي الهوية بفعل مآرب الغرب الذين يسعون للتقدم على حساب تأخر العرب فبدات متابعة الأحداث والحقائق وقراءة التاريخ وربطها ببعضها للتوصل إلى حقائق تهم العرب وترشدهم الى سبل التغلب على محاولات الغرب في تحييدهم وتهميشهم”.

2

وبدأت حياة قرقوط بالنضال منذ نشأته الأولى حيث ولد عام 1917 في قرية ذبين بالسويداء بعد رحيل والده محمد ذوقان قرقوط الذي استشهد في معركة المسيفرة ضد الفرنسيين عام 1926 وكان جده ذوقان قاسم قرقوط استشهد قبله في معركة ضد الاحتلال العثماني في بلدة الشقراوية غرب السويداء عام1890.

درس المرحلة الابتدائية في مدارس قريته ثم حصل على الشهادة المتوسطة في السويداء وعندما سئل عن رغبته في الفرع التعليمي أجاب أريد أن أتعلم الحقوق لأدافع عن وطني والطب كي أعيش ثم انتقل إلى مدرسة التجهيز في دمشق والتقى بمجموعة كبيرة من طلاب العلم على مستوى البلاد آنذاك ومن أبرز أساتذته زكي الأرسوزي وجودت الهاشمي ومحمد البزم حيث قام مع رفاقه بإنشاء مجلة تداولها الطلبة والأساتذة وأحدثت ضجة وجدلا كبيرا حينها قبل أن ينال الشهادة الثانوية من مدرسة التجهيز عام 1942.

وبقبول ذوقان قرقوط في جامعة فؤاد الاول عام 1944 والتي تسمى اليوم جامعة القاهرة بدأت رحلته في البحث عن العلم والمعرفة لدراسة التاريخ ثم عمل موظفا في السفارة السورية بمصر التقى خلالها بصديق الدراسة الشاعر السوري الكبير نزار قباني وأصبح من أعز أصدقائه وخلال فترة دراسته كلفته السفارة بالذهاب إلى ليبيا للحصول على أكبر كمية ممكنة من الأسلحة التي خلفها انسحاب القوات الألمانية وفعلا تمكن من ذلك وقضى سنتين حصل فيهما على أكثر مما توقع وذلك خلال فترة النكبة عام 1948.

وعندما أنهى ذوقان دراسته وعاد إلى دمشق عين مدرسا فيها وفي محافظته في آن واحد ليعين عام 1954 مديرا للمعارف في السويداء وهي بمثابة مديرية التربية اليوم أحدث خلالها نقلة نوعية في واقع التربية حيث أتاح إجراء امتحان الثانوية في السويداء بعد أن كان في دمشق وكان يقيم احتفالا سنويا للطلاب المتفوقين في كافة الصفوف.

وخلال تلك الفترة طالب بشق طرق فرعية في السويداء لتمكين الطلاب من الوصول بسهولة إلى مدارسهم ثم انتدب للسفر إلى الأردن ومنها إلى الصين وبعودته نقل من مديرية المعارف إلى دمشق ليعين في دائرة التفتيش بالوزارة.

وكما كانت تجربة الوحدة مع مصر حلما بالنسبة له فإن الانفصال المه بشدة وجعله يغادر البلاد الى مصر حيث شغل نفسه حينها بترجمة كتاب لـ فرانز فانون الطبيب النفسي الفرنسي الذي انضم لصفوف المقاتلين الجزائريين المقاومين ضد الاستعمار الفرنسي وهو بعنوان “سوسولوجيا الثورة” ليعمل في مصر مدرسا جامعيا ويتابع دراسته وليحصل على شهادة الماجستير عام 1971 بعنوان تطور الفكرة العربية بمصر وفي عام 1974 نال الدكتوراه بعنوان “تطور الحركة الوطنية في سورية من عام 1920-1939.

وخلال اقامته بمصر عمل عضوا في جمعية البحوث والدراسات وفي اتحاد الكتاب بمصر حيث شغل منصب وزير لشؤون الثقافة والتعليم خلال فترة اتحاد الجمهوريات الثلاث بين سورية ومصر وليبيا قدم خلالها افكارا وخططا عديدة للنهوض بالمستوى الثقافي والتعليمي.

وبعد عام 1979 استقر بدمشق وعين استاذا في جامعتها عام 1981 بقسم التاريخ وأشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه ثم أحيل إلى التقاعد بعد عشر سنوات ليبدأ كتابة مذكراته ولا تزال قيد الإنجاز ولا يزال يترجم الكتب ومكتبته حافلة بمواضيع غنية وكثيرة تنتظر النشر.1

وحول ما تتعرض له سورية قال المناضل الوطني والقومي قرقوط إن ما يحدث في سورية والدول العربية ليس كما يسمونه “ثورة” فالعرب مستهدفون منذ الأزل بأشكال ومفاهيم مختلفة.

ورغم سنوات عمره المديدة لا يزال يقرأ ويطالع بشغف واهتمام حيث يقول “ما اود كتابته الآن بعد هذه السنين هو أن أصيغ حياتي كلها من جديد أجمع لقطاتها وأربطها ببعضها وأظهر خفاياها فهناك جمل تحتاج إلى كتب ولا أعرف إن كنت سألحق ذلك فلدي الكثير والوقت قليل”.

ولم ينس قرقوط أن يتطرق إلى حياته العائلية ودور زوجته المهم في حياته لتفهمها وضعه وضيق وقته فكانت رفيقة دربه في كل مراحل حياته أنجبت له خمسة أبناء لا يزالون يساعدونه في إنجاز ترجماته وقراءاته.

وكان من الملفت دور زوجة ابنه المهندس حازم “منيرة النبواني” في متابعته وملازمته واعجابها بشخصيته فهي تحفظ كل ما يقول ولديها معلومات دقيقة عن سيرة حياته التي يقصها لها بين الحين والآخر.

يشار إلى أن للمفكر والمؤرخ الدكتور ذوقان قرقوط مؤلفات عديدة ذات بعد فكري وطني وقومي منها “الأسطورة والحقيقة في التاريخ العربي الحديث” والمشروع القومي الذي لم يتم وفي تكوين الأمة العربية” كما له أكثر من 37 كتابا مترجما واقتباسات نصية لعدد من الكتاب الفرنسيين منها “الثورة الفرنسية دراسات في الأصول والاتجاهات وسياسيات وأقليات الشرق الأدنى والأسباب المؤدية إلى الانفجار” إضافة إلى مقالات منشورة في صحف سورية ولبنانية عديدة.

مها الأطرش