اللاذقية-سانا
شكلت احتفالية “زلفا” الموسيقية والتشكيلية التي أقامها نادي “حكايا الفن” بالتعاون مع مجلس مدينة اللاذقية واختتمت نشاطاتها قبل أيام مسرحا عريضا للإبداع الشبابي المتميز حيث تضمنت الفعاليات التي امتدت لثلاثة أيام استضافة معرض فني واسع لطلاب وخريجي كليات العمارة والفنون الجميلة في مختلف الجامعات السورية الأمر الذي ساعد على تمهيد الطريق أمام كوكبة من التشكيليين الجدد لعرض نتاجهم الإبداعي في الهواء الطلق لحديقة الشهيد عمار عبود في منطقة الزراعة وسط المدينة.
وفي هذا السياق ذكر فواز حسون أحد منظمي الاحتفالية والمشرف على الأنشطة الفنية في النادي أن هذا النشاط هو بمثابة انطلاقة لعمل النادي الذي يهتم بجوانب التشكيل والموسيقا إلى جانب خطته لدعم المشاريع الإبداعية الصاعدة من خلال رعاية المواهب الشبابية والدفع بها نحو الضوء كخطوة أولى على المسار الفني وهذا بالضبط ما يحتاجه الشباب في بداية مسيرتهم والتي عادة ما تتعثر لسنوات قبل أن ترسي دعائمها.
وأضاف هي فرصة لتحقيق الاقتراب والتواصل مع الجمهور والزج بالمتلقي العادي نحو عالم التشكيل الذي يتردد في ولوجه عندما يكون مقيدا ضمن صالات العرض وردهات المؤسسة الثقافية الرسمية أما في حال وجود هذا النتاج الإبداعي المتميز على قارعة الطريق وفي الهواء الطلق فإن حالة عفوية تدفع بهذا المتلقي إلى إرضاء فضوله والتعرف على هذا العالم الذي يجهله الكثيرون وهو ما يشكل بداية جيدة لعلاقة افضل بين المتفرج والعمل الفني.
الأمر نفسه أكد عليه الشباب المشاركون والذين استطاعوا أن يقدموا انفسهم بكثير من الثقة والروح المعنوية العالية رغم أنها التجربة الأولى لغالبيتهم فقد أكدت الشابة بيسان بدران وهي طالبة في السنة الثالثة في كلية الفنون الجميلة أن مبادرة من هذا النوع من شأنها أن تخلق مناخا إيجابيا سواء بالنسبة للمدينة التي تتعطش دوما لحراك ثقافي متعدد الأوجه وكذلك الأمر بالنسبة للشباب الذي يقضي وقته عادة وهو يبحث عن مكان يعرض فيه أعماله.
وأضافت بدران التي شاركت بأربع لوحات لها كتلة لونية واحدة وتطرح من الناحية الموضوعية عدة تصورات للأنثى إن هذه المبادرة هي فرصة لكل طالب وخريج يعاني مثل الآخرين من قلة دور وصالات العرض ليثبت حضوره ويترجم ما قضى سنوات في تعلمه ودراسته إلى أعمال فنية تمثل وجهة نظر جديدة تضاف إلى ما يتم تلاقحه من آراء وأفكار وطروحات يستحق الكثير منها النقاش والفرجة.
أما الشاب علي علي وهو طالب في السنة الثالثة في كلية العمارة بجامعة تشرين فقال إن العرض في حديقة عامة هو السبيل الأجدى لتوسيع الثقافة البصرية وتدريب العين عموما على رؤية التفاصيل الحياتية والإنسانية ضمن صيغة تشكيلية تمهيدا لتحسين الرؤية الفنية للمتفرج العادي فهذه المرة يمر المتفرج كعابر سبيل لا أكثر لكنه في المرة القادمة سيأتي عامدا لمشاهدة الأعمال التي نعرضها.
وأضاف إن لوحاته المعروضة تركز على وجوه العجائز وكبار السن من حيث التجاعيد التي تحفر الوجه والنظرة الثاقبة للعين وفي هذا الطرح ما يدل على الخبرات الإنسانية المتراكمة والتي تترك بصماتها وآثارها على وجه الإنسان فتختزل الكثير من قصصه وحكاياته التي ربما لا يتسع الوقت أمام صاحب هذا الوجه أو ذاك لسردها.
وبينت الشابة الخريجة راما مهنا أن لوحات الفنانين الشباب وأن كان معظمهم من خريجي كليات الفنون الجميلة تحتاج إلى تقييم ونقد سواء من قبل المتخصصين في هذا المجال أو من قبل المتلقي العادي فجميع وجهات النظر تصب في مصلحة العمل الفني وتعمل على الارتقاء به وهذا بالضبط ما يوفره نشاط من هذا النوع فالمعرض الحالي هو فرصة لكل فنان شاب ليقدم نتاجه ويرصد رؤية الناس له.
وأشارت إلى أنها قدمت عملين الأول بالرصاص والآخر بالفحم وكلاهما عبارة عن بورتريهات حاولت فيهما تطبيق التقانات الفنية التي تعلمتها أثناء فترة الدراسة في الكلية لتصوير الأحاسيس التي يغرق فيها الإنسان في أوقات معينة.
إلى ذلك أشاد الفنان الشاب حمزة سليمان وهو خريج كلية الفنون الجميلة-جامعة دمشق بالاحتفالية التي لمت شمل عدد من الشباب الخريجين لتقدمهم بهذه الصورة المتألقة إلى جمهور اللاذقية الذي يتمكن اليوم كما قال من تغذية بصره بلوحات تحمل فكرا جديدا واساليب فنية تتمايز بين بعضها البعض فتؤطر بذلك لمزيج إبداعي يستحق المشاهدة والحوار حوله.
وأشار إلى أنه متخصص بأعمال الحفر والطباعة فهو يستخدم الحجر الكلسي لتنفيذ أعماله الفنية التي جاءت هذه المرة لتصور عدة هياكل عظمية تختصر الألم السوري الراهن والذي جرد الإنسان من أكثر ما يملك بما فيها حياته حيث يحيط الموت بنا من كل حدب وصوب بفعل الإرهاب الحاقد والأعمال الإجرامية التي حولت الكثير منا إلى هياكل تنتظر حظا أفضل في حياة أخرى.
من ناحيته أشار الشاب راغد الفيل الطالب في السنة الثالثة في قسم التصوير بجامعة تشرين إلى أن المعرض يوفر للمشاهد خيارات متعددة للفرجة البصرية بينها أعمال الشباب الباحث دوما عن فرصة مماثلة وهذا بالضبط ما يجعل من هذه المبادرة على قدر من الأهمية والنوعية بصورة يتمنى المرء معها أن تتكرر دائما لتصبح تقليدا سنويا يستضيف هذه الشريحة من المبدعين.
وتابع شاركت بمجموعة من البورتريهات التي تصور حالات إنسانية متغايرة على مستوى الشعور والإحساس الداخلي فهناك الفرح والحزن ولوعة الوداع كما أصور نفسي في أحد هذه البورتريهات كنوع من التحدي الذاتي.
نفس الفكرة اكدت عليها الشابة الخريجة هبة ابراهيم عندما قالت المعرض هو فسحة للروح للخروج من هذا الواقع المأزوم رغم أن غالبية اللوحات تنقل صورا مشابهة في العمق لما يجري على الأرض لكن المهم هو حضور النواحي الجمالية في كل عمل على حدة وهو أمر يدفع بعيدا بمشاعر القنوط واليأس التي تتسلل في كثير من الأحيان إلى نفوس الشباب السوري.
أما أعمالها فقد جاءت على حد وصفها على شكل خليط فني بين السريالية والتعبيرية والرومانسية لتركز في مجملها على الحالة الإنسانية الداخلية والتي قد يظهر عكسها تماما للعيان ما يؤكد أن الإنسان هو جملة من التناقضات الحية والتي قد تتجلى إلى جانب بعضها بعضا في لحظة ما.