في ذمة دي ميستورا – صحيفة الثورة

أصرّ المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا على المضي في سياسة الخروج عن نص المهمة المكلف بها حتى بعد أن أعلن تاريخ انتهاء هذه المهمة، وهو تحديد كان يقتضي بالسيد دي ميستورا أن يتفرغ لحزم حقائبه وجمع ملفاته وإنهاء جملة من الإجراءات التي يقتضيها انتهاء مهمة أخذت ما لم تأخذه مهمة قبلها، وبالتأكيد لن تأخذه بعدها حين امتدت على مدى أربع سنوات وخمسة أشهر، وشهدت فصولاً ساخنة متناقضة من المد والجزر في دور سيكون عليه الكثير.‏

اللافت أن الإصرار على استنفاد المهمة حتى آخر لحظة يثير أكثر من تساؤل، خصوصاً لجهة زيارته الأخيرة لدمشق التي يدرك وبالفم الملآن أنه ليس موضع ترحيب، بعد جملة من الممارسات الخاطئة التي أدت في كثير من الأحيان إلى إطالة أمد الأزمة من جهة، ووفرت في أغلب الأحيان فرصة إضافية للإرهابيين ورعاتهم كي يوغلوا في إجرامهم بحق الشعب السوري من جهة ثانية، في وقت لا يخفى على المبعوث الأممي أن ما عجز عنه في أربع سنين وأربعة أشهر لن يطوله في شهر، وأن ما فشل في تمريره في ظروف ومناخات الضغط والتهويل والتهديد والوعيد لن يحصّله في أشهر تكتب مزاجها السياسي على إيقاع الانتصار السوري، وتضبط حدود ومساحة وجودها على امتداد الميدان السوري.‏

لا ننكر على المبعوث الأممي -حاله كحال جميع المبعوثين الدوليين- أنه لا يشكل في نهاية المطاف سوى فرق بسيط من الفروق التي تصنعها التجاذبات الدولية، وربما في أفضل الحالات يأتون لسد الفجوات الحاصلة في حلبة الصراع الدولي بين القوى المتنابذة على المسرح العالمي، لكن السيد دي ميستورا أراد أن يكون ملكياً أكثر من الملك، وأبدى تعاطفاً مع الإرهابيين لم ينالوه من رعاتهم وحماتهم ومموليهم والمراهنين عليهم، وربما عوّل في كثير من الأحايين على أخذ ما يفوق طاقته ودوره ومهمته، وخرج عن نسق الدوران في الحلبة الأممية التي باتت شاهد إثبات على عقم الدور الأممي.‏

على ذمة المبعوث الأممي.. هو يريد أن يرى إلى أين وصلت الأمور فيما يخص تشكيل اللجنة الدستورية، وعلى ذمتنا فإنه حاول أن ينقل الرسائل التي عجزت منظومة العدوان أن توصلها، أو تلك التي فشلت في خطها، والأكثر من ذلك وعلى ذمتنا أيضاً أنه اضطر لسماع الرسالة السورية بصورة لم يسبق له أن سمعها، وفي لهجة لا تحتمل التأويل ولا تقبل سوى تفسير واحد: إنك أتيت إلى العنوان الخطأ، وطرقت الباب الخطأ.. ووصلت في التوقيت الخطأ، والأهم أنك انتقيت الظرف واللحظة التي لا مجال فيها للمهادنة.‏

ما فات السيد دي ميستورا أن للدولة السورية في ذمته لائحة يطول الحديث فيها وعنها، وللسوريين في عهدته قائمة تمتد منذ اللحظة التي قبل فيها أن يتولى هذه المهمة، وستلاحقه بعد أن تنتهي بسنوات، وربما ستبقى في سجله وسجل المنظمة الدولية، والكثير من هذا وذاك ليس للنسيان، وليس للعفو باعتباره بات ماضياً، والأهم أنه ليس للمساومة ولا لتصفية الحسابات مع أحد، لكنه من أجل الحقيقة التي يعرفها هو أكثر من سواه، وللكواليس التي خبرها وخبر من خلالها الأقبية المظلمة والغرف المغلقة التي حاكت خيوط التآمر على السوريين، وحاكت معها سراديب الحسابات والمعادلات، فكان شاهداً وشريكاً في جميعها وتحديداً تلك التي أنتجت كل هذا الظلم بحق السوريين, وأباحت لنفسها ولغيرها ممارسة هذا العدوان على مدى سنوات كان له فيها أكثر مما كان لسواه، ويتحمل مسؤولية ربما مضاعفة بعشرات المرات مما يترتب على غيره..!!‏

بقلم: علي قاسم