الشريط الإخباري

متى نراك دمشق!-الوطن العمانية

كانت العائلات في البقاع اللبناني قبل الأزمة تتناول العشاء في دمشق لتعود بعدها إلى بيوتها اللبنانية، فالمسافة لا تتجاوز الستين أو السبعين كيلومترا .. بل كان يمكن كما فعل كثيرون من أهالي تلك المنطقة، ان يذهبوا إلى دمشق من أجل تناول الحلوى فقط، وهي الموصوفة بعذوبتها وطيبها. لم تكن هنالك مسافات بين لبنان وسورية، أحيانا الكيلومترات سواء كثرت أو قلت فهي لا تعني شيئا، بحسابات البلد الواحد تموت المسافات وتنقرض.

كيفما سألت لبنانيا عن شوقه للشام سمعت منه الآهات وما يشبه اللوعة، والعيون التي تنضح حنانا .. للشام طعم خاص لا يعرفه الا اهل لبنان، وهذا الطعم له اكثر من مصدر، ما ان تصل السيارة إلى ما يسمى الحدود بين لبنان وسورية حتى يسعد اللبناني الذاهب إلى العاصمة السورية وكأنه على موعد معها. هو في الحقيقة دائم المواعيد سواء راح إليها أو جلس يتأملها في نفسه إلى حد الاشتهاء.

بين بيروت ودمشق مائة كيلومتر فقط، هي اقصر المسافات بين أية عاصمتين عربيتين .. ولذلك هما الأقرب وجدانا وحلما وأملا .. كنت كلما اضعت نفسي اجدها تقطع المسافة أكثر من مرة في الأسبوع الواحد بين البلدين، ثمة أحبة في عاصمة تحب الجميع وتهوى الإخلاص للجميع. من يعتاد على دمشق، سيجدها اقرب إليه، فإذا ما كان عربيًّا غير سوري سيجد في مواعيدها صورة عن انتظار بلا ملل.

لهذا السبب وجد فيها عبد الناصر غايته الإنسانية قبل ان يراها حلما عربيًّا أو قبل ان يسميها قلب العروبة النابض فهي كانت كذلك إلى اليوم وإلى الغد وما بعده ـ هي التاريخ الذي سجل اول وحدة في تاريخ العرب تم رسمها بالانتماء الواحد للامة الواحدة .. وهي التي ايضا وجد فيها صلاح الدين الأيوبي عبقرية المكان الذي يوصله إلى القدس، ويوحده مع القاهرة، ويقهر من خلاله كل الأعداء المتربصين بأمة الإسلام .. في وقته كانت امة الاسلام وعدا لأنها مثلت النقاء الإسلامي، وليست خديعة كما هي اليوم احوال الإسلامويين الذي جنوا على الاسلام واودعوه دائرة الشك من كل العالم.

كنا نشتاق دمشق ونحن فيها، عرفناها صغارا فدربتنا على رؤية الصمت الذي تسمعه من حجارة قلعتها العتيقة. أو من مساجدها الموغلة في تاريخها .. يصح ان يعيش الدمشقي والسوري عموما مرتين في الحياة، مرة كونه سورية ومرة كونه عايش المكان الذي سطعت فيه صورة رجال مثل عبد الناصر وحافظ الأسد والرئيس بشار.

في دمشق التي أحن إليها تعرفني واحدا من متيمين بها .. ربما هي ليست احدث العواصم لكنها اجملهم تاريخا واكثرها ايغالا فيه واروعهم جمعا للماضي المجيد والحاضر المجيد أيضا. من هنا نفهم لماذا تقاتل العاصمة السورية ويقاتل السوري، تخسر سورية آلافا من جيشها لأنهم جنوا حبا بموت لأجلها.

جميع اللبنانيين كأنهم في سجن كبير اليوم لأن المسافة طالت عن دمشق وعن الربوع السورية عموما .. فمتى نضع السلاح لنبني معا سورية، مستعد لحمل حجارتها المهدمة وإعادة ترتيبها، المهم ان يتوقف الموت وان ينطفئ السلاح، فما زالت سورية على مواعيدها القديمة المعروفة: وحدة وطنية وجيش عربي قوي مرسوم على أذرعته نشيد الحرية والأمل، ودولة اجادت الثبات في العواصف ورئيس بات معلما للصمود الاسطوري.

بقلم: زهير ماجد

انظر ايضاً

الوطن العمانية: عودة سورية إلى الجامعة العربية تعيد الدور العربي لمكانته الصحيحة

مسقط-سانا أكدت صحيفة الوطن العمانية في افتتاحيتها اليوم أن العودة السورية إلى الجامعة العربية تمثل …