تنازع الذئاب و”كعكة” الإرهاب

لم يعد من العسير رصد فصول التنازع على السيادة في أحضان الأمريكي بين آل سعود وآل عثمان الجدد، وبات من الممكن التسليم بأن مقولة: “إذا تخاصم اللصان ظهر المسروق”، هي حكمة، وليست هراء، وكم هي كبيرة حيرة واشنطن عندما يشترط أردوغان عليها و”يتشرّط”، فيما يدفع لها آل سعود بأطنان المغريات… الموقف بحد ذاته مأزق، دون الدخول في تفاصيل أكثر.

فقد تكون مسرحية “الحرب على داعش” وحبكتها في عين العرب، خشبة العرض العملاقة، التي تحمل اليوم خلطة اعتبارات غير متجانسة، تتعدى مغامرات واشنطن وهذيانات الرياض وجنون أنقرة، إلى شُذّاذ آفاق بهيئة سياسيين، تبدأ باستعراض بعضهم وتمر بمساعي آخرين لحفظ ماء الوجه، ثم بنزعات السطوة التي تستحكم بالصنف الثالث، ورغبات تثبيت المصالح، التي تلبّس بها النوع الرابع من المتنازعين، وصولاً إلى نُشدان الخلاص، الذي بات مسعى غالبية المتورطين بدعم الإرهاب والمقبوض عليهم بالجرم المشهود.

إلّا أن الاستنتاج الأهم الذي يمكن الوصول إليه من قراءة مابين السطور في زحام الأوراق المختلطة، هو أن كل هؤلاء في مأزق يستهوي الكثير من المتفرجين في أصقاع العالم، وثمّة قرائن على ما نذهب إليه بدأت ترشح عن الأروقة السياسية. أولها عروض آل سعود التي دفعوا بها باتجاه واشنطن لإبقاء الرياض في “مقصورة” الدلال الأميركي وتحييد تركيا، التي دخلت على الخط بمفردات من يمتلك ناصية القيادة وزمام المبادرة، ووصل ” السخاء” السعودي إلى الاستعداد لإغراق أمريكا بالبترول وإيصال سعر البرميل إلى أقل من 80 دولاراً مقابل سحب البساط من تحت قطر وأردوغان، فيما يستثمر الأخير ورقة “داعش وعين العرب” لابتزاز حلفائه في لحظات ضعفهم.

وثاني القرائن تصريحات جنرال أمريكي سرّب أن واشنطن لم تعد تعترف بما يسمى “معارضة معتدلة” في سورية تاركاً آلاف إشارات الاستفهام حول مصير من يجري تدريبهم في السعودية ولاحقاً في تركيا لممارسة الإرهاب في سورية!!.

أما ثالث القرائن فهي إشارة جاءت من تنظيم داعش، وحديث عن اسم وشيك للتنظيم وهو”داعشخ” في دلالة على ضم منطقة الخليج العربي إلى خانة أحلام “دولة التنظيم”، وكانت إضافة حرف” الخاء” فزّاعة مُرعبة أججت نوبات الأرق في مخادع آل سعود وجيرانهم، وهذا وتر استفزاز يعزف عليه أردوغان اليوم، وتلويحه بورقة داعش غدا ذا صخبٍ دوت أصداؤه في مضارب العائمين على بحار نفط الخليج العربي.

بالتزامن مع ما سبق بدأت الأخبار تتسرّب على شكل متوالية عن نيات دول أوروبية وعربية للعودة إلى المصافحة مع سورية وفتح سفاراتها في دمشق، وهذه قرينة رابعة على مأزق كل المتأبطين شرّاً بسورية، والسباق على حجز مسارات آمنة للعودة إليها، بعد ثبوت عقم محاولات تقويض مقوّمات الدولة المتماسكة.

يتكافأ كل ذلك مع وتائر إنجاز عالية في الميدان السوري على مستوى ضرب الإرهاب، ثم المصالحة الوطنية وعودة أعداد كبيرة يومياً من أبناء سورية إلى أحضان الدولة.

وعلى المقلب الآخر يشهد الميدان الاقتصادي معاودة انتعاش تدريجية، وإقلاع متسارع نوعاً ما لعجلة الإنتاج في المدن والمنشآت الصناعية، إضافة إلى بدء تدفق الصادرات السورية بعد سنوات من الانقطاع، وهي مؤشرات تعافي بعد صمود طويل في مقارعة وباء ضارب اسمه الإرهاب، وسقوط رهانات كثيرة على سقوط الدولة السورية.

على كل حال بات من الممكن الحديث عن بدء انفراج في الأزمة السورية، بالتزامن مع بدء أزمة من صنّعوا وافتعلوا أزمتنا، ليحق لنا ترداد المقولة الشهيرة: “يضحك كثيراً من يضحك أخيراً”، ولا بأس ببعض القهقهة أيضاً.

ناظم عيد

انظر ايضاً

الجولان في القلب بقلم: طلال ياسر الزعبي 

بعد مرور واحد وأربعين عاماً على قراره ضمّ الجولان العربي السوري، هل استطاع الكيان الصهيوني …