الشريط الإخباري

المعاندة المرّة والخلاصة الأمرّ..!!- صحيفة الثورة

تعاند إسرائيل مرارة الخلاصات التي تخطها إحداثيات الميدان والتطورات التي تمليها سياسياً، فيما تعكس لهجة التهديد الإسرائيلي والتحذيرات المسرّبة إسرائيلياً الواقع المر الذي بات يحكم تطورات المشهد في الجنوب، لجهة العلاقة مع التنظيمات الإرهابية، التي باتت تشعر بأن القبضة الإسرائيلية التي كانت تشكل جداراً تستند إليه يتهاوى، وفي الحد الأدنى يتداعى في ظل خلط الأوراق الناتج عن تغيير في الحسابات والمباشرة برسم معادلات جديدة لا تشبه التي كانت سائدة، ولا تتطابق في شيء مع الأشهر التي خلت.‏

فقواعد الاشتباك التي راهنت عليها إسرائيل وبنت على ركامها التنظيمات الإرهابية جدار أوهامها، لم تعد تكفي لحماية المشروع الإرهابي، فيما مصير الإرهابيين يواجه المآل المحتوم في ظل مغالاة واضحة من الإرهابيين في التشدد ورفض ما يطرح من بدائل، تجنب ذلك المصير، معتمدة على الوجود الإسرائيلي باعتباره الحامل الطبيعي لوجود الإرهابيين في المنطقة، وخصوصاً مع وعود وتطمينات مبالغ فيها من قبل المشغلين الإقليميين بالتدخل الأميركي وبالخطوط الحمر التي نسيت أن تعيد التذكير فيها، وتركت الحبل على غاربه لاستنتاجات من أقصى حالات التشاؤم إلى ذروة مشاهد اليأس.‏

المقاربة الأميركية لا تبدي أي استعجال في حسم الأمور، بل تتعمد الغموض الذي يتيح لها الاستدارة من دون حرج، وسط سلسلة من التباينات التي تدفع إلى الجزم بأن الأميركي لديه خيارات تتعارض إلى حد بعيد وتمنيات التنظيمات الإرهابية، ولا تتطابق مع الأجندات الإسرائيلية في بعض التفاصيل، خصوصاً فيما يتعلق بالمآل الذي ينتظر الإرهاب الذي بات يثقل على الإدارة الأميركية، لجهة العبء السياسي الذي يضيفه مع الأدوات المشغلة، وصولاً إلى ما يشبه الإقرار بعبثية التعويل على المشروع الإرهابي في صيغته الحالية على الأقل.‏

بينما يواجه الأردن مأزقاً يبدو مزدوجاً يزيد من صعوبة خياراته، التي تدفعه الضرورات الناتجة عنه إلى إباحة المحظورات، وفي مقدمته محاولته اليائسة لإعلان الطلاق البائن مع التنظيمات الإرهابية، في وقت لا يملك القدرة -حتى لو رغب- على تنفيذ ذلك بحكم العلاقة التي تحكمه مع المشغلين، الذين حاولوا نجدته على وقع مساومة يصعب على الأردن الالتزام بها، بعد أن لمس بوضوح تعثّر المشروع، وفهم اللعبة الخاسرة التي قامر بها، وأن الاستدارة ستكون مكلفة بالتأكيد، لكن البقاء من دونها سيكون أكثر تكلفة على الأردن ووجوده وما يثيره من إشارات استفهام كبيرة.‏

إسرائيل التي استفاقت على الحقيقة المرة وجدت أن المقامرة لمًا تنتهِ بعد، لكن محاولة الاستدراك قد تأخرت كثيراً، والحسابات فيها معقدة وربما شديدة التعقيد، لدرجة أنها لا تستطيع أن تذهب في مقامرتها أبعد من الحدود المسموح فيها لجهة الخروج على المقاربة الأميركية، حيث أي مشاغبة سيكون لها أثمان مضاعفة، خصوصاً أن الخيارات الضيقة التي تحيط بها تجعل من العسير التفكير في تعكير المعادلات الأميركية، بانتظار التحضيرات الجارية لتمرير صفقة القرن، التي تواجه بدورها استعصاءات خارجة عن إرادة الأميركي ذاته.‏

فالتهديدات الإسرائيلية معاندة مرّة وتدخل في نطاق الاستهلاك الإعلامي الذي يريد أن يستعيد الثقة المفقودة من قبل الإسرائيليين بخيارات حكومتهم، وإن كان هذا لا يعني أن الرعونة الإسرائيلية ستغيب والعربدة قد تخف موجتها، خصوصاً أنها لا تحتاج في أغلب الأحيان إلى ذريعة، ولا تعجز عن خلقها، لكنها في الوقت ذاته تدرك حساسية اللحظة الراهنة ومساراتها المعقدة والمفازات الأكثر تعقيداً التي تجعل أي خطوة إسرائيلية محتملة محفوفة بمخاطر لم يسبق لإسرائيل أن واجهتها من قبل، والأهم أنها لن تغيّر في واقع الأمر شيئاً باعتبارها عبثاً على حافة الهاوية ولعباً بالنار لن تكون بمنأى عنهما.‏

لغة التهديد –وبالتجربة- لا تعطي نتيجة، والعربدة الإسرائيلية -بتراكم التجربة- لا يمكن التعويل عليها لإحداث الفرق، والتنظيمات الإرهابية التي راهنت عليها باتت سيفاً مسلطاً على الإسرائيلي، سواء قبل بوجودها أم سعى إلى ترويضها، مآلها يناظر الحصيلة التي انتهت إليه ما سبقها من تنظيمات، سواء كان بالاستسلام أم بالحسم العسكري، ودخول إسرائيل سيزيد من المأزق ويسرّع في الحسم، وربما يقلب الطاولة بوقت أسرع مما كان مخططاً له، والأكيد أنه قد يعجّل في أفول المشروع الإرهابي وذيوله المخفية والعلنية وأدواته ومشغليه، والأهم مرتزقته الذين يتولى الأوروبيون مهمة البحث عن السبيل والطريق لرحلة العودة التي طال انتظارها.‏

بقلم: علي قاسم