دمشق-سانا
أتى إلى عالم القصة القصيرة الرحب قادما من رحم الصحافة ليعيد كتابة ما اكتنزه في ذاكرته من وقائع وأحداث وصور عالجتها مخيلته مسجلا عبرها اسمه في الأدب القصصي ذي الطابع الملتزم إنه الأديب والقاص السوري رياض طبرة.
وفي حديث لـ سانا الثقافية قال الأديب طبرة إن كتابة القصة تشبه الولادة لكنها تحتاج إلى حدث يفرض نفسه ويشدني إليه كما تشدني ولادة طفل في أسرتي ويمر هذا الحدث عبر المخزون الثقافي الذي يبدأ بترتيب إنتاج الحدث وبنائه فنيا بما يتلاءم مع جوهر الحدث وتداعياته.
وبين مؤلف مجموعة لحظة فرح أن حدث القصة عنده إما افتراضي وإما واقعي والافتراضي عبارة عن نسج خيال أسقطه على الواقع ويدير دفته كما يدير الربان السفينة فيختار أفضل المسالك وأيسرها للوصول إلى بر الأمان بحيث تأتي القصة مستكملة الجمال الفني والمضمون الإيجابي والتركيز على معاني الشهامة والكرامة والعزة والأنفة والذود عن الوطن وتقديس الشهادة وإعلاء قيمة العمل وحق الإنسان في الحرية والكرامة مع تضمين كل ذلك نقدا إيجابيا بناء لما هو قائم في الواقع.
أما الواقعي بحسب طبرة فإنه يستنبطه من الأحداث ويكاد يكون واقعة تحتاج إلى تعديل بحيث لا يقوم بنسخ الواقع بل بنقله كحدث وله حرية التصرف في المقدمة والعرض والخاتمة ويحاول جاهدا أن يدخل القارئ في وهمين بأن الافتراضي حقيقي وأن ما هو حقيقي هو افتراضي.
وعن مستوى الأدب القصصي يقدم مؤلف مجموعة صرخة على جدار الزمن رأيا لافتا يشيد عبره بالقصة القصيرة في سورية معتبرا إياها أكبر إنجاز للأدباء السوريين كإبداع سوري بامتياز اكتسبت طابعا محليا منذ الجيل الأول لأدباء هذا الفن الذين أعطوه ما يستحق أمثال سعيد حورانية وعادل أبو شنب ثم تلاه الجيل الثاني الذي اخلص للقصة القصيرة حتى جعلها مهنة له.
وأضاف طبرة حول هذه النقطة.. أكاد أجزم أن هذه القصة السورية اليوم وصلت إلى ذروتها وتحاول جاهدة الحفاظ على هذا الواقع من خلال اللجوء إلى تقنيات العصر وإعطاء البناء الفني أشكالا جديدة تتناسب مع روح العصر.
ولكن قاصنا يعتبر أن القصة القصيرة جدا لم تتمكن من الاستمرار طويلا وجاء الحدث السوري اليوم ليجعلها تتراجع إلى الومضة أي عبارة أو عبارتين رغم إقراره بأن العبارة أو الومضة قد تؤدي ما لا تؤديه رواية.
وعن سؤال حول أولوية السرد أو الحبكة في كتابة القصة قال طبرة.. ما بين هذين المكونين للقصة علاقة حميمة فإن طغى أحدهما على الآخر حدث الخلل في البناء الفني فهناك بعض القصص تحتاج إلى فنية عالية في الحبكة وهناك قصص لا بد من طغيان السرد على ما عداه فالرجل الذي تنكر لأمه لأنها عوراء لن نحتاج إلى حبكة لرواية قصته بل إلى سرد فالحدث هنا أكبر من الفن ولكن الحبكة تطغى على السرد عندما يكون الحدث بسيطا وبحاجة إلى مده على مساحة أوسع.
ووصف طبرة المشهد الثقافي خلال السنوات الثلاث الماضية بالمتراجع حتى كاد ينعدم باستثناء بعض المحافظات والمؤسسات التي ظلت أمينة على أداء رسالتها وإغناء المشهد الثقافي بما تقدر عليه معتبرا أن المشهد الثقافي لم يكن في المقدمة حتى يتراجع بل كان في الصفوف الخلفية خلف الفعل الاقتصادي والسياسي وحتى الاجتماعي والديني.
أما تفعيل المشهد الثقافي كما يراه طبرة فيحتاج إلى وقفة مع الذات ليعود إلى موقعه الطبيعي كحاضن لكل فكر وثقافة وتنوع وغنى بمعناه الإيجابي وعموده الفقري القائم على الحوار واحترام الآخر.
وعما إذا كانت المؤسسات الثقافية الرسمية وغير الرسمية تقدم أدبا ذا مستوى قال كاتب مجموعة للحالمين بوحهم .. يتفاوت الأداء الثقافي من مؤسسة إلى أخرى ومن أديب إلى آخر ولدينا نخب ثقافية لكنها تكاد تشعر بالعجز عن مواكبة الحدث وإعطائه ما يستحق مع استثناءات لا بد من احترام تجربتها مشيرا إلى وجود ظاهرة سلبية لا بد من معالجتها والوقوف عندها وعند أسبابها والتي تتمثل في العزوف الثقافي والإضراب غير المعلن الموجه ضد الخطاب الثقافي الرصين الذي تحاول تقديمه مؤسساتنا الثقافية.
وعما إذا كان المثقف السوري يستطيع مواكبة الحدث اعتبر أنه ليس لأحد من المثقفين أن يزعم بأنه قادر على مواكبة حدث يهزنا من الأعماق ويدمي قلوبنا ويبعثر ويشتت أفكارنا ونحن نرى هذا الوحش البشري يتمدد قتلا وتشنيعا وكأنه قد فتح القدس أو حرر الجولان أو أزال الظلم عن المتعبين.
وأضاف.. إن الحدث يسبقنا ونحن نحاول اللحاق ببعض جوانبه نضيء ما استطعنا على إيجابياته وندين ونستنكر سلبيات تظهر هنا أو هناك تتمثل اليوم في أن الجشع والطمع وجه اخر للإرهاب فإن كان ذلك يستهدف أجسادنا فإن الجشع والغلاء يستهدفان إنسانيتنا.
وعن رأيه بأداء جريدة الأسبوع الأدبي التي يترأس تحريرها وعن كونها موجهة للنخبة قال.. تواظب الجريدة على صدورها اسبوعيا وهذا بحد ذاته إنجاز رغم الظروف والصعوبات في إيصال هذه الجريدة الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب إلى قرائها واستمرارها في نشر الإبداعات من شعر وقصة ومقالة ونقد أدبي وفي المسرح والسينما والترجمة فضلا عن صفحة خاصة للأقلام الجديدة ويشارك في موادها نخبة من أعضاء اتحاد الكتاب ومن غيرهم كما أنها مفتوحة لكل الاتجاهات الأدبية والفكرية والثقافية ولا اتفق مع كونها جريدة للنخبة لأنها تحظى بإقبال الجيل الشاب الراغب في التأدب وتلقى قبولا كبيرا لديه.
أما عن الدور الثقافي الذي تؤديه صحيفة آفاق الصادرة عن حزب العهد الوطني التي يتولى رئاسة تحريرها أيضا بين طبرة أن الثقافة تحتل أربع صفحات من حجم الجريدة وتتناول مواضيع فكرية وثقافية وفنية ما يزيد من وعي القارئ بإعلاء شأن الوطنية والقيم والمثل العليا المتمثلة في الشهادة والتضحية والفداء مع تقديم مواد ثقافية نقدية لما يصدر من إبداعات وتسليط الضوء عليها.
يذكر أن الأديب رياض طبرة من مواليد صما بالسويداء عام 1952 عضو اتحاد الكتاب العرب جمعية القصة والرواية ومن مؤلفاته القصصية صرخة على جدار الزمن 2005 والنافذة والريح 2006 وخارج المكان 2008 ولحظة فرح 2011 وللحالمين بوحهم 2013 وأخيرا قيد الطبع رجل بلا.
محمد الخضر وسامر الشغري