السويداء-سانا
تمتاز تجربة المخرج تيسير العباس مع الفن بغناها وتنوعها وجمعها بين مختلف أنواع الفنون عاكسة ما يمتلكه من إمكانات وقدرات في نموذج مهم لفنان لامس في أعماله قضايا الناس وهمومهم مع تمسكه بخصوصية التراث المحلي الذي يشكل جزءا من الهوية الوطنية.
وترتكز تجربة العباس الفنية المولود في مدينة السويداء 1950 إلى قواعد سليمة مستندة إلى ثقافته وحضوره الاجتماعي المميز وحبه للعمل الفني واستفادته في بداية مشواره من وجود نشاط للحركة الفنية المسرحية والموسيقية في محافظة السويداء.
ويوضح العباس لـ سانا الثقافية أنه بدأ تجربته الأولى مع نادي الفنون الجميلة بالسويداء في ستينيات القرن الماضي كممثل وموسيقي عازف على الإيقاع وظهر في أول عمل مسرحي بعنوان النساجون من إخراج نذير جزماتي وطلال الحجلي ما شكل له انطلاقة مبشرة.
ويضيف.. أنه شارك في نشاطات اتحاد شبيبة الثورة بتمثيل عدة عروض مسرحية منها ثمن الحرية بمشاركة ممدوح الأطرش وأديب نعيم وآخرين وكذلك مسرحية المعلم توباز من إخراج سلمان البدعيش لافتا إلى انتقاله بعد ذلك للمسرح العسكري ومشاركته بعشرات الأعمال أهمها النار في غصن الزيتون ورجال في الفوضى وأغنية على الممر وذي قار.
ويتابع العباس.. أن ظهوره في المجال الموسيقي كان للمرة الأولى مع دار المعلمين كعازف إيقاع ومع الشبيبة في حفلات أقيمت بمختلف أنحاء المحافظة وخارجها في محافظتي دمشق ودرعا مع تسجيله لأغان عديدة للإذاعة السورية عام 1973 من ألحان الفنان وجيه أصفر وذلك في مناسبات وطنية منها أغنية للجيش العربي السوري.
وأثناء وجوده في دولة الإمارات العربية المتحدة بين أعوام 1974 و1986 أسس مجموعة فرق مسرحية منها فرقة الشارقة التابعة لجمعية الفنون الشعبية وأخرج العديد من الأعمال المسرحية منها العائد ومهر العروس والله يا زمن التي حملت طابع النقد الاجتماعي إضافة لمسرحية المجانين السبعة التي لم تر النور وكذلك قام بإخراج عمل تلفزيوني بعنوان سوالف العم فيروز تتعلق بالبحر وعلاقة الغواصين به فضلا عن إخراج أعمال إذاعية مختلفة تتعلق بالوضع الاجتماعي.
كما شكل المخرج عباس خلال وجوده بالإمارات سبع فرق موسيقية وفرقتين للفنون الشعبية وعزف مع العديد من الفنانين العرب مثل فؤاد حجازي وعازار حبيب وفؤاد خليفة إضافة لتأسيسه النادي السوري الاجتماعي الذي أقيمت من خلاله العديد من الحفلات الفنية وخاصة بالمناسبات الوطنية والاجتماعية فضلا عن إدارته لمؤسسة أبو ظبي للإنتاج الفني لمدة خمس سنوات التي ارتبط نشاطها بالأفلام السينمائية والأعمال التلفزيونية.
ويعتبر عباس أن تجربته بالإمارات كانت مهمة جدا لكونه احتك فيها مع الكثير من الفنانين العرب أمثال محمود ياسين وتوفيق الدقن وأشرف عبد الغفور وصلاح قابيل واستضاف العديد من الفرق الفنية وحصل على بطاقة شرف بمعارض الخليج الدولية الفنية مشيرا إلى أنه تخللها قضاء سنتين في مصر حيث درس في المعهد العربي للفنون بالقاهرة وتخرج فيه عام 1979.
وعقب عودته لسورية شارك بالتمثيل في المسلسل التلفزيوني الطويبي بدور المشعوذ إضافة لمساهمته بتأسيس فرقة صوفيا المسرحية عام 2008 مع غسان بركات وعادل حمزة ومعتصم العربيد وإخراج أعمالها لمصلحة جمعيتي الرعاية الاجتماعية والمسنين حيث أدخلت الموضوع الإنساني في صلب اهتمامها وتناولت قضية دمج المعوق بالمجتمع مع إشراك الأيتام والصم والبكم والمشردين وأصحاب الإعاقة بالتمثيل فيها حيث كانت عروضها بشكل تطوعي دون مقابل وكذلك إخراجه لأكثر من ثلاثين مهرجانا فنيا ومعرضا للتراث والصور الفوتوغرافية والفنون الشعبية.
ويذكر العباس أنه رغم متابعته حاليا بإخراج المهرجانات وإعداد المعارض إلا أنه توقف عن الإخراج المسرحي خلال السنوات الثلاث الماضية لوجود تعقيدات في الحصول على الموافقات للعروض المسرحية وغياب كتاب النصوص والاعتماد على ترجمة نصوص مسرحية غربية بعيدة عن واقعنا واستسهال مهنة الإخراج.
ويرى العباس الذي يفضل المسرح الملتزم الذي يعالج قضايا الجماهير وهمومها أن العديد من الأعمال المسرحية التي تقدم اليوم هي تهريجية إلى درجة كبيرة مع وجود بعضها قدم إسقاطات مهمة على الواقع لكنها كانت بعيدة عن وعي الجمهور وثقافته مشيرا إلى أن أي مشروع فني اليوم يتطلب منا إعادة بنيته الثقافية بمختلف أنواعه والانطلاق فيه نحو واقع يخدم الفن ورسالته ضمن الإطار الصحيح والسليم حتى لا نكون شركاء بما وصل إليه الفن العربي عموما وخاصة المسرح والأغنية من ناحية هبوط المستوى الفني.
ولا يقتصر عمل العباس على الإخراج بل هو باحث وجامع للمقتنيات التراثية والصور التي توثق ذاكرة جبل العرب وتاريخه وأهم المواقع فيه حيث يلفت في هذا الإطار إلى أن الحفاظ على تراثنا المادي واللا مادي يعد مسؤولية وطنية تقع على عاتق أفراد المجتمع ومؤسساته وخاصة المعنية منها بالمسألة الثقافية.
ويدعو العباس كل من لديه صور تتعلق بالتاريخ والتراث المحلي إلى تزويده بها وذلك من أجل المحافظة عليها كوثائق من التلف ووضعها بين أيدي الأجيال الحالية متمنيا عند مشاركة أي صور من المعارض التي أقامها ذكر مصدرها للحفاظ على حقه.
بدوره نوه رئيس جمعية أصدقاء الموسيقا بالسويداء الباحث سلمان البدعيش بمدى تميز العباس بإخراج العديد من الأعمال المسرحية في دولة الإمارات وباهتمامه اليوم بالتراث والتوثيق وتنسيق العديد من المعارض فضلا عن نشاطه الذي يؤديه في عدة نواد وجمعيات أهلية واهتمامه بالعمل الخيري الإنساني.
عمر الطويل