الشريط الإخباري

صناعة الصمود

لا يبدو أن زحام الأوراق المختلطة في منطقتنا سيتيح قراءات رصينة لمضامين الأفق حتى القريب، فثمة مشهد مشوّش وملتبس، يغلّف مجمل المجريات الكثيفة الراهنة على الخط الواصل بين بلاد الشام وبلاد الرافدين، وأغلب الظن أننا دخلنا الحيز الذي يمكن وصفه مجازاً بـ “عين الإعصار أو العاصفة”، وبتوصيفٍ أدقّ حبكة السيناريو المخصص للتسويق هنا في هذا الإقليم المأزوم بفعل فاعلين وهويات متعددة الجنسيّات، ومتماهية بين الأمريكي والأوروبي، واستطالات أذرعهما التنفيذية الآثمة في المنطقة، تلاقت على قاعدة تقاطع مصالح، حيّدت تفاصيل تنازع صامت قديم وجديد ومتجدّد، وبدا جليّاً أن الأولوية اليوم لحيازة “الكعكة” وتفاهمات تقاسمها تأتي لاحقاً..

فالمشهد العراقي مُلتهب الآن، وتشي التقارير الاستخباراتية، التي تتحدّث عن أعداد المرتزقة الجاري تحضيرهم خارجاً لزجهم في صفوف “داعش”، بأن متوالية الاحتمالات ما زالت مفتوحة صعوداً، وهنا في الميدان السوري لا تختلف التفاصيل لا في منشئها ولا مؤدّاها، وثمة بصمات واضحة للشركاء في استهداف سورية والعراق، لا تحتاج قراءتها إلى “مخابر تحليل” احترافية…

وفي لبنان بدأت آثار “الّلفح الناري” بالظهور على الطريقة “الدّاعشية” ذاتها… تفجيرات وسيارات مفخّخة، وتحشيد دؤوب وصامت للجماعات التخريبية، وعلى مستوى القيادات حتى، والمداهمات اليومية تتوالى بحثاً عن نزلاء مشبوهين في فنادق العاصمة بيروت، على خلفية تقارير تحذيرية وتسريبات تأكدت صحتها بالوقائع، والّلافت أن البيئة الحاضنة هناك تقوم على اعتبارات مصلحية-سياسية لا مذهبية، في تأكيد على نفي المزاعم الطائفية التي يسوّقها مروجو الفتنة في توصيف ما يجري، فداعمو الإرهاب في لبنان يظهرون بياقات بيضاء لا بالزي الأفغاني، وهم بلا لحى بل يتنكرون بقيافة “خواجات”، لكنها تخفي حقائق كارثية..

وفي الأردن ثمة من يتحدّث عن جهوزية الخلايا النائمة في معان للاستيقاظ لدى تلقي إشارة، قد لا تتأخّر..

وعلى المستوى السياسي استنفر رئيس الدبلوماسية الأمريكية في جولة نحو الشرق الأوسط وأوروبا لبحث الملفات الطارئة، وهي، كيفما اجتهد المحللون في قراءتها، لا يمكن فهمها إلّا من زاوية إعادة الإمساك جيداً بدفة التحكم وإدارة صبّ الزيت على النار، وتسعير الأزمة بما لا يخرج عن سيطرة ومصالح واشنطن، ونصوص السيناريو المُدبّج بعناية وأهدافه المعلن منها والمستتر.

وقبله لم يكن الملك السعودي جديراً بالحسد، بعد أن استجمع قواه المبعثرة وهمته البائدة، وسافر للقاء الرئيس المصري الجديد في مطار القاهرة على متن الطائرة، وكان واضحاً أن الزيارة الخاطفة لم تكن إلّا لاشتراطات موقف ما لا يخفى على قارئي ما بين السطور، قبل المضي في دعم منتدى “أصدقاء مصر” وما يليه من منح مختلفة، اقتصادية الطعم لكن بألوان سياسية، والخلاصات تصب مباشرةً في سياق الأوضاع في سورية والعراق وكامل المنطقة المستهدفة..

إذاً نحن في خضم ما يشبه اختبارات التحمّل الصعبة والقاسية، والحقيقة أن للصمود في هكذا مواقف مصيرية دلالات غير تقليدية، تتعدّى البعد السياسي والعسكري، وتلتصق بتفاصيل حياتنا ويومياتنا، فالواضح جليّاً أننا أمام أقذر أنواع الحروب، المستهدف فيها ليس مجرّد جيوش ومنظومات سياسية، بل مجتمعات عريقة، بكل مفرداتها وحيثياتها التاريخية والحضارية والتراثية، وبأرزاقها ومواردها البشرية والطبيعية.

إنه “برزخ” تحدّي نكون أو لا نكون، يملي مواجهة من الطراز الشعبي، تبدأ بمكافحة بؤر حضانة الإرهاب علناً ودون مواربة أو مداراة، وهذه مهمة شعبية قبل أن تكون حكومية، وتصل إلى خلق خطوط تواصل بين “المنظومات الأهلية” على امتداد الرقعة المستهدفة، من الأردن إلى لبنان فسورية والعراق، ولعل المهمة ليست بالصعبة، لأن الروابط الأسرية بين الدول الأربع، وخصائص المجتمع التراحمي، تشكل قاعدة انطلاق ثابتة نحو هكذا هدف يستحق لقب “مقدّس”.

بقلم: نــاظـــم عــيــد