الرياض-سانا
بعد ثمانمئة يوم من الاعتقال و14جلسة محاكمة وبرغم التحذيرات التي وجهت لسلطات آل سعود حول التعامل مع قضية الشيخ “نمر باقرالنمر” وخاصة بعد مطالبات قضائية سابقة بإعدامه أصدرت المحكمة الجزائية فى الرياض أمس حكمها بالإعدام على الشيخ النمر بتهم متنوعة جاهزة منها الخروج عمن سمي (ولى الأمر وإشعال الفتنة الطائفية).
ووفقاً لما أكدته العديد من الجهات الحقوقية والأهلية فإن هذا الحكم أثار سخطاً اجتماعياً وسياسياً في وسط المجتمع المحلي والإقليمي لكونه يعبر عن موقف سياسي بعيد كل البعد عن الشروط والمتطلبات القانونية كما يعبر عن حالة توتر يعيشها النظام السعودي ويقطع الطريق أمام أي تسوية لحلحلة الأزمة التي
تواجهها.
وبهذا الحكم الجائر تضيف سلطات آل سعود انتهاكاً جديداً إلى سجلها الحافل بالممارسات القمعية الخارجة عن القوانين وحقوق الإنسان.
وكانت سلطات أمن آل سعود اعتقلت في تموز عام 2012 الشيخ النمر البالغ من العمر 55 عاماً في بلدته شرقي أراضي الحجاز إثر عودته من صلاة الفجر واستخدمت العنف معه أثناء عملية الاعتقال ما أدى إلى اصابته بجروح بليغة.
ووفق الناشطين والخبراء فإن نظام آل سعود يعلم تماماً أن الوضع الهش الذى يعاني منه فى هذا الوقت لا يسمح بمثل هذه الأحكام لأنها ستؤدي إلى إشعال نيران الغضب في وجهه كما ستكون دافعاً لزيادة الحراك الشعبي في البلاد وخصوصاً أن الشيخ النمرعالم دين معروف بمواقفه الرافضة لسياسات الأسرة الحاكمة والمطالبة بحقوق المواطنين المشروعة في التعبير عن آرائهم ومطالبهم بالحرية والمساواة بين جميع أبناء المجتمع السعودي دون تمييز على أساس عرقي أو ديني أوطائفي.
وتشير التقارير في هذا السياق إلى أن حالة من الاحتقان بدأت تشهدها مناطق عدة في السعودية احتجاجا على الحكم الجائر بحق الشيخ النمر حيث تمت الدعوة إلى تظاهرات ومسيرات تقرر في إحداها حمل المشاركين فيها الأكفان كرسالة تعبر عن مدى امتعاضهم من حال التعسف والقمع الذي تمارسه سلطات آل سعود بحق المواطنين السعوديين.
وسبق لسلطات آل سعود أن تعرضت للشيخ النمر أكثر من مرة حيث اعتقل لمدد متفاوتة وكان منزله يخضع للمراقبة الشديدة وتعرض في المعتقلات لتعذيب جسدي ومعنوي وصولاً إلى اعتقاله في تموز من عام 2012 وتوجيه تهم إليه تتعلق بما تسميه السلطات إثارة الفتنة الطائفية والخروج على ولي الأمر لتستغلها في إصدار حكم الإعدام بحقه.
وليست هذه هي المرة الأولى التي تصدر فيها السلطات القضائية التابعة لنظام آل سعود مثل هذه الأحكام الجائرة بحق المعارضين لسياساتها حيث سبق للمحكمة نفسها أن أصدرت قبل مدة أحكاما بالإعدام على ثلاثة متظاهرين وهم الطفل علي النمر وعلي سعيد آل ربح ومحمد فيصل الشيوخ وذلك للتهم ذاتها التي وجهت للشيخ النمر.
ويؤكد المتابعون أن أحكام الاعدام في السعودية تشكل مخالفة للقيم والقوانين الدولية حيث تم انتقادها على مستوى دولي ومن مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة تحديداً لكونها تعبر عن غياب دور القضاء وانتهاك الحقوق بشكل فاضح ودون أي تردد كما أنها تؤكد أن النظام السعودي عاجز عن التعامل مع ملف حقوق الإنسان وهو ما دفع بالمقرر الدولي الخاص بالسعودية من قبل هيئة الأمم المتحدة للقول أن الانتهاكات في السعودية مسألة بغاية الخطورة وتثير قلق المجتمع الدولي بشكل كبير.
وليس بعيداً عن ذلك أيضا تورط هذا النظام في دعم الإرهاب والإرهابيين في سورية والعراق بشكل واضح وعلني ما سمح لهم بإرتكاب أبشع المجازر والجرائم والانتهاكات بحق الإنسانية من قتل وتدمير وتخريب واغتصاب وتشريد وتجريد للمرأة من إنسانيتها.
واللافت أن كل هذه الوقائع والمعطيات بخصوص ملف نظام آل سعود الأسود في مجال حقوق الانسان تؤكد من جديد أن سياسة المعايير المزدوجة التي يمارسها ما يسمى المجتمع الدولي في تعاطيه مع المفاهيم والقضايا الإنسانية مستمرة ومتواصلة في ظل هيمنة بعض الدول التي ستظل قضايا حقوق الإنسان وهمومه آخر أولوياتها في مقابل مصالحها ومصالح شركاتها الاحتكارية.
ويلفت المتابعون إلى أن أكثر ما يثير التساؤل في ظل هذه الوقائع وغيرها من السجل الطويل لانتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام المملكة الوهابية المصدر للإرهاب والتكفير هو أن يكون هذا النظام عضواً في مجلس حقوق الإنسان ويترك له المجال ليتحدث عن الانتهاكات بحق الإنسانية ويتباكى على الإنسان في سورية أو العراق وغيرهما من الدول في وقت يتخذ من القمع والقتل أسلوباً لمعاقبة معارضيه ومن العمالة والإرتهان ورهن مقدرات البلد لمصالح الشركات الأمريكية من أجل البقاء في الحكم.
والمفارقة تكمن في أن الشعب السعودي الخاضع لحكم الحديد والنار والتشدد وفتاوى المأجورين من منظري وشيوخ الوهابية والتطرف الفكري والتكفيري يعيش بحالة مادية لا تتناسب مع ثروات بلاده الهائلة التي يتبارى أمراء عائلة آل سعود في إهدارها وتكديسها لمصالحهم وملذاتهم الشخصية.