دمشق-سانا
رغم قساوة الحرب إلا أن الفن المتجسد بالرسم بمختلف أنواعه مازال يثبت وجوده في أروقة وشوارع دمشق فمن محلات حي القيمرية الممتد من أزقة باب توما إلى مقهى النوفرة المعروف في الشام القديمة ومن محلات شارع بغداد إلى القصاع وسوق مدحت باشا تجذبك اللوحات الدمشقية والتشكيلية بألوانها المتنوعة الممزوجة بعبق التاريخ.
الحرب أرخت بظلالها على الفن في سورية لكنها لم تستطع إلغاءه بل حولته إلى أشكال أخرى فبعد أن كانت هذه المحلات تعتمد في مبيعها على السائحين الأجانب والعرب بات السوريون اليوم روادها المفضلين وخاصة المسافرين إلى الخارج.
صاحب أحد المعارض في شارع القشلة بباب توما يقول لمراسلة سانا ” لم يسافر مواطن سوري خلال الحرب إلى ألمانيا أو كندا أو بلد أوروبي إلا واقتنى من محلاتنا لوحات تعبر عن الحارات الدمشقية والرقصات المولوية والأبواب الأثرية في دمشق لتذكره بعبق الشام”.
وعلى عكس ما يتوقع البعض فإن شراء وبيع اللوحات الفنية لم يتراجع خلال الحرب بل ازدادت حركة شراء وتخزين اللوحات الدمشقية لبيعها في أوقات لاحقة بأسعار مضاعفة عدا عن أولئك التجار الذين مازالوا إلى اللحظة يشترون اللوحات بمبالغ قد تصل إلى أكثر من مليون أو مليوني ليرة سورية ويأخذونها إلى لبنان لبيعها .
أحمد صاحب محل لبيع اللوحات في شارع القيمرية بدمشق قال لـ سانا “تجار اللوحات لم يتوقفوا عن شرائها ولا سيما رسومات الفنانين السوريين المشهورين لبيعها في لبنان بعشرات ملايين الليرات”.
لكن أحمد لا ينكر أن الإقبال على اللوحات الزيتية سواء التجاري منها أو الاحترافي تراجع كثيراً وخاصة ما يتعلق بالمدارس الانطباعية والتشكيلية التي بات روادها من السائحين الأجانب والعرب “شبه معدومين” مشيراً إلى أن كثافة البيع تركزت على كل ما يتعلق بالرسم الدمشقي أو النقل الواقعي للوحات المشهورة.
ورأى احمد أن الحرب زادت حنين السوريين لكل ما يتعلق بمدينتهم الجميلة دمشق سواء أكانوا داخل سورية أم خارجها وهو ما يفسر ازدياد طلباتهم حول اللوحات الدمشقية.
محلات أخرى أصبحت تعتمد في عملها على رسم الوجوه الشخصية والتي ازداد الطلب عليها حيث يتبادلها السوريون كهدايا في مناسباتهم أو لإرسالها لذويهم المغتربين في الخارج ما عدا التي يطلبونها كرسم لوجوه شهداء وأحباء فقدوهم خلال المعارك التي خاضها الجيش العربي السوري ضد الإرهابيين أو نتيجة قذائف الهاون الغادرة.
صاحب محل “لمسة” الكائن في شارع بغداد اعتبر أن أسعار اللوحات مقبولة حيث تتراوح ما بين /5/ آلاف و/250/ ألف ليرة سورية موضحاً أن عدد طالبي لوحات الفنانين المعروفين تراجع جداً وبات الطلب أكثر على اللوحات التجارية التي تناسب أثاث منزل ما أو مكتب ومن يرغب بشراء لوحة لفنان معين يقصد صالات الغاليري الكبيرة الموجودة في دمشق والتي أصبحت لفنانين محددين ممن بقوا في سورية.
عدد كبير من الرسامين المعروفين غادروا البلد كما ذكرت الرسامة المصورة نغم عبيد في حديثها لمراسلة سانا حيث أوضحت أنها وزملاءها الرسامين على مدى سنوات كانوا يبيعون لوحاتهم لأكبر تاجر لوحات في الشرق الأوسط المعروف بلقب أبو نعيم وكان في دمشق ويمتلك آلاف اللوحات لأهم الفنانين السوريين إلا أن سنوات الحرب دفعت الكثير من الرسامين إلى التوجه إلى “الإمارات ولبنان” لأن سوق اللوحات نشط في هذين البلدين وأقاموا العديد من المعارض هناك وتم بيع لوحات سورية بأسعار وصلت إلى أكثر من 5 آلاف دولار.
وتتضمن المحلات المنتشرة بدمشق اليوم لوحات لموهوبين أو رسومات لطلاب من كلية الفنون الجميلة في ظل تسويق صعب لأسمائهم حسب أصحاب المحلات الذين أوضحوا أنه حتى لو كان رسم هؤلاء عالي المستوى إلا أن تسويق أسمائهم في هذه الظروف “بات يحتاج وقتا طويلا”.
يزن عباس من طلاب مركز أدهم اسماعيل للرسم رأى أن الحرب والألم والحزن زادت من توجه السوريين إلى الرسم والتعبير عن مشاعرهم من خلاله متوقعا أن تشهد المرحلة القادمة حركة نشطة وقوية في مجال بيع اللوحات السورية بكل أنواعها لأن “الألم يولد الإبداع” حسب وصفه والشعب السوري معروف بحبه للجمال والفن حتى في أشد الأزمات والدليل أن تجارة بيع اللوحات لم تتوقف خلال السنوات السبع الماضية.
من المؤكد أن الحروب لا تؤثر على البنى التحتية والاقتصادية فقط وإنما على النهضة الفنية والثقافية في أي بلد لكن على ما يبدو أن سورية مازالت تولد وتورد فنها وثقافتها في أصعب ظروفها بل إن أبناءها حملوا هذا الفن وذهبوا فيه أبعد ما كانوا يتخيلون فوصلوا به رغم الحرب إلى أوروبا ودبي ولبنان ومازالوا يرسلونه من دمشق عل لوحات الحارات الدمشقية تحكي قصة صمودهم في وجه الإرهاب للعالم أجمع بكل ما تحمله من أحاسيس وأفكار وألم وحزن وحب وفرح.
ندى عجيب