الشريط الإخباري

على الجبهات… الأم مصدر إلهام وقوة للأبناء الأبطال

دمشق-سانا

تحضر الأم على جبهات القتال بقوة في قلوب الأبطال الأشاوس قادة ومقاتلين شوقا وفقدانا لحنانها وشفيعا لهم بدعواتها يقينا منهم بأنها لا تضل الطريق فترد عنهم الأخطار وان أصيبوا أو استشهدوا يدركوا أنه ليس أرق من دمعها وأصدق من لوعتها ولا أوفى منها في حفظ رسالة الشهيد وذكراه إلى الأبد.

وعلى أصوات قذائف المدفعية الثقيلة وأزيز الرصاص على جبهة عين ترما في الغوطة الشرقية يتذكر المقاتل عبد اللطيف سنكري جندي من حلب آخر يوم شاهد فيه والدته وأيضا آخر توبيخ تلقاه منها ويقول في لقاء مع مراسلة سانا في يوم عيد الأم بينما كان يستعد للدخول مع مجموعة اقتحام إلى الخط الأمامي للمعركة.. “في شهر تشرين الثاني 2017 أصبت في مواجهة مع الإرهابيين على جبهة إدارة المركبات بحرستا وعلى إثرها أخذت نقاهة وسافرت إلى حلب وحرصت ألا أخبر أمي بذلك ولم تعرف حتى وصلت البيت.. قضيت معها فترة النقاهة.. ما زالت تطرب أذني بكلمات وداعها الله يحميك” يصمت قليلا ثم يتابع.. “اشتقتلها كتير”.

يحلو لعبد اللطيف 22 عاما المقاتل على جبهات القتال في الغوطة الشرقية منذ ثلاث سنوات أن يستحضر أمه بمزيد من الكلام عن أيام طفولته قبل أن يلحق برفاقه وباعتباره كان مشاغبا في صغره فهو لا يتذكر عدد “الصفعات” التي تلقاها من والدته فيقول وقد انفرجت شفتاه عن ابتسامة حياء أزاح معها نظره باتجاه قذيفة صاروخية سقطت على اسوار مزرعة قريبة “كفوف كتير.. آخرها كف على وجهي عندما كان عمري 13 عاما لأن ضربت أخي الصغير”.

رفيقه في السلاح المقاتل أيمن خضر من طرطوس يخالجه شعور بالندم على مرور سنة لم يزر فيها والدته مطلقا واعدا بينما يده تشد على زناد بندقيته في ظل أحد أشجار الزيتون في مزارع عين ترما انه سيقصدها في أول إجازة بعد انتهاء المعركة ويقول مبررا: “ربما لأنني متزوج وأسكن في دمشق إجازاتي أقضيها مع أطفالي.. لكن بالتأكيد مقصر تجاه أمي”.

أيمن فشل في حبس دمعة انزلقت على خده غص وهو يقول.. “سامحيني يا أمي.. وعد شرف بعد الانتصار بالمعركة وهو قريب سأزورك بأول إجازة.. ومن هنا أقول لك.. كل عام وأنت بخير”.. ان تباعدت زيارات أيمن لوالدته لظروف سكنه بدمشق وتواجده بصورة دائمة على جبهات القتال فهي حاضرة في وجدانه.

وفي الأيام الماضية بينما كان يؤمن مع رفاقه رجال الجيش خروج مئات الأمهات مع أطفالهن عبر الممرات الآمنة من بلدات الغوطة الشرقية المحاصرة من قبل الإرهابيين وهو يرقب ما تبذله الأمهات تجاه أطفالهن من عطف وحنان وهن يعبرن طريق الأمان.. تقدمت صورة أمه المشهد مستذكرا ما قضته من ليال على راحته وكم هدها التعب وهي تجهد لتأمين احتياجاته هو واخوته.. “الأم غالية غالية وإنشاء الله أراها قريبا” يختم كلامه.

ومن مقر أحد المحاور العملية العسكرية يعطي خالد أحد القادة الميدانيين التعليمات للتقدم “إلى اليسار شيلكا كمان برابو يا بطل.. مدفعك على اليسار.. إلى اليسار تماما .. أعطيني رماية”.

خالد قاد العديد من العمليات العسكرية على جبهات الغوطة الشرقية وخاض مع مئات الجنود على مدى السنوات الماضية أصعب المعارك واجه فيها الإرهابيين وما زالت أمه مصدر قوته وعزيمته وفي خضم المعركة لم يتردد في الحديث الينا طالما الكلام عن الام ليقول.. “قبل اي معركة اتصل بأمي واطلب منها الدعاء واشعر براحة نفسية .. تشد عزيمتي وتمنحني حافزا للأمام” ويضيف: “اتصلت بأمي قبل العيد بيوم وعايدتها.. لا سمح الله إذا أصابنا مكروه أكون عايدتها.. عدت اليوم وكررت المعايدة .. أتمنى أن أكون قربها في عيدها لكن لدي مهمة وهي تعذرني .. أهديها ما حققناه من تقدم في وادي عين ترما”.

ورغم أن الرائد خالد متزوج ولديه طفلان لكنه في لحظة الخطر يتذكر والدته وبدقة يعرض لنا تاريخ إصابته في 13-11- 2017 أصيب على جبهة حرستا “كانت الإصابة خطيرة وفي ثلاث ثوان مر شريط من الصور تذكر جمعا من الأحبة لكن تحديدا طلب من أمه الدعاء ليخرج بخير” موضحا “قلت لها أكثر من مرة يا أمي إذا استشهدت زغردي وباركيلي وهي ترد.. يا ابني متل باقي الشباب لست أول شهيد ولا آخر شهيد”.

يضحك خالد عند سؤاله فيما اذا كانت ضربته والدته وهو صغير ويقر “بالتأكيد العقاب الممزوج بالحنان .. حاليا كأب لطفلين أدرك أن أكفها كانت من باب النصيحة والتربية السليمة”.. فيما وجهها الغارق بمطر الدموع والحب والحزن واللهفة هو ما يحبه القائد العسكري بوالدته “عندما تنتهي الإجازة تأخذ بالبكاء ..اطمئنها بأني عائد .. أودعها لكن وجهها يسبقني في الطرقات ويرابط معي على الجبهات”.

بعد رشقات من بندقيته على هدف حدده بدقة ..توقف .. أخذ نفسا عميقا وظل قابضا على سلاحه المقاتل “حيدر” على خطوط النار في الغوطة الشرقية يتوجه إلى أمه بالمعايدة ” كل سنة وأنت سالمة أنت وهالوطن الغالي” يعتقد حيدر بأن نجاته من قذيفة تسقط بقربه أو رصاصة تمر بمحاذاته يعود إلى دعاء والدته .. تشع بالحنان عيناه وهو يسرد لنا كيف ترسل له الطعام إلى الجبهة “من عدة أيام تغدينا برغل ولبنية من طبخ أمي.. كتير طيبة.. الشعور أن أمي منشغلة بي لا يعادله شعور” هو ما يجعل المقاتل الشاب يتصل بأمه عند الخطر حيث يروي كيف حوصر على جبهة حي القدم “عندما شعرت بالقلق اتصلت بامي وطلبت منها العفو والدعاء بينما أخذت هي تمدني بالقوة تردد على مسامعي .. كونوا قد حالكم .. لازم تطلعوا .. رح ارجع شوفك .. أنتم على حق .. منصورين .. كلمة من الأم بتسوى الدني .. أنا واخوتي الخمسة بالجيش الله يعين أمي علينا”.

ولا تكتفي والدة الملازم أول كنان ابراهيم بالاتصال والاطمئنان عليه وإنما توجه له النصائح يقول: “تنبهني أمي باستمرار الا أتحدث على الجوال ليلا حتى لا ألفت انتباه المسلحين بالضوء الصادر عنه .. قبل يومين تعرضت لإطلاق نار مباشر .. عندها تذكرت نصيحة أمي واعدها الا استخدم الجوال ليلا” ويردف قائلا.. “أمهاتنا مقاتلات حاضرات معنا في الجبهة بمشاعرهن وقلقهن علينا وملاحقتنا بصورة دائمة لا يمر يوم الا ونضطر للاتصال وتطمين أمهاتنا بأننا بخير”.

ويتوجه الملازم أول كنان إلى امهات الشهداء بالتحية أولا ويقول: “هن كنز من العطاء قدمن فلذات اكبادهن لا يعادلهن بذلك أي عطاء وأعايد أمي أم الشهيد .. كل عام وأنت بخير .. الله يصبرك على فراق أخي ويصبر كل أمهات الشهداء وإنشاء الله النصر لنا”.

وبفخر يقول كنان.. “كل شيء مميز بأمي.. طبخها ..غسيلها .. طية البنطال اللي حبكتها بأيدها.. كلامها .. دير بالك يا أمي طمني عنك” يختم حديثه ثم يمضي ومجموعة من الجنود كلهم ثقة بالنصر.

شهيدي عجيب