دمشق-سانا
لم تقف المرأة السورية يوماً مكتوفة اليدين أمام أي خطر يهدد بلادها بل انضمت إلى صفوف المقاومة وناضلت بالسلاح والكلمة وتربية الأبناء فزنوبيا وماري العجمي ونازك العابد لسن نماذج للتاريخ بل روح تتجدد كل يوم لتخبر العالم كيف تكون المرأة هي الأرض.
وفي سنوات الحرب على سورية كانت المرأة السورية بأمس الحاجة لهذه الروح من أم وزوجة شهيد ومصاب إلى مخطوفة ومقاتلة وعاملة بأصعب الظروف فاختارت المواجهة والقوة والتحدي.
المهندسة رئيفة حيدر التي خطفتها التنظيمات الإرهابية المسلحة من منزلها في عدرا العمالية واقتادتها إلى دوما بريف دمشق لتواجه أبشع ظروف الاعتقال لثلاث سنوات قامت بتعليم الأطفال ودعم النساء نفسيا ومعنويا ومواجهة خاطفيها بالكلمة والرأي.
وفي التفاصيل تقول حيدر “كنت مقيمة بالقابون في دمشق لكني هربت من التنظيمات الإرهابية المسلحة إلى مدينة عدرا العمالية وبعد عام دخلها الإرهابيون وخطفت مع تسعة من أفراد أسرتي”.
وبدأت قصة حيدر في ليلة الـ 11 من كانون الأول عام 2013 عندما دخل إرهابيون إلى عدرا العمالية وارتكبوا أبشع الجرائم من قتل وذبح حيث فقدت أول أفراد أسرتها وهو ابن شقيقها ثم اقتحم إرهابيون منزلها واختطفوها مع أختها وخمس فتيات و11 شابا.
وتذكر حيدر أنها كانت ليلة باردة أجبرونا فيها على ركوب باص يقوده إرهابيون من جنسيات عربية من تونس والأردن وليبيا ثم تابعنا المشي عبر طرقات مجهولة حتى وصلنا فجراً إلى دوما ووضعونا في غرفة بإحدى المزارع وكان بيننا أطفال قتل آباؤهم أمام أعينهم وبعضهم لم يتجاوز العام وآخرون من ذوي الإعاقة.
وتتابع حيدر “كانت ظروف الاعتقال سيئة وتسببت بانتشار أمراض كثيرة بين المخطوفين وما يزيد الامر صعوبة أصوات التعذيب التي تصل إلى مسامعنا كل لحظة حيث استخدم الإرهابيون كل أنواعه للرجال أما النساء فكانت عقوبتهم الجلد كما استخدمونا دروعا بشرية حيث وضعونا بأقفاص وتركونا في العراء”.
وتشير حيدر إلى أن عدد المخطوفين كان بالمئات وتقول: “مع الوقت كدنا نفقد الأمل بالخروج وكان همي الأول هو الأطفال الذين يمضون أخطر مراحل حياتهم في هذه الظروف اللاانسانية فقررت البدء بتعليمهم”.
وتضيف “أنا من بيئة مثقفة ومنفتحة على كل الحضارات كنت أقرأ كتبا عن المقاومة وأبطالها فأصبحوا مصدر قوتي وصمودي وقررت البدء مع الأطفال في مكان اعتقالنا وعددهم 11 فعلمتهم اللغات والرياضيات ونظمت مسابقات أدبية وعلمية”.
لكن العلم لم يكن بقواميس الإرهابيين كما تقول حيدر فأمروا بجلدي أمام الجميع ووضعت في سجن منفرد لاني علمت الأطفال معنى المقاومة وحدثتهم عن حضارة بلادهم لكنني لم اتوقف بعد انتهاء العقوبة وواصلت المهمة التي حملتها على عاتقي ورغم صعوبة الظروف مع وجود 70 معتقلة في السجن قسمت الوقت إلى فترات صباحا ومساء لأجلس مع جميع الاطفال وكنا نحفظ أيضا الأناشيد الوطنية ونرددها.
ومع التعليم واصلت حيدر إرسال الطلبات للإفراج عن الأطفال وقالت “كان أكثر ما يقلقني الأفكار التي يتلقاها الأطفال الأكبر سنا وهم الذين يقودهم الإرهابيون لحفر الخنادق ويعلمونهم اساليب حمل السلاح والفكر الإرهابي”.
وتلفت حيدر إلى أنها لم تكن بمفردها بل كان إلى جانبها نساء قويات كثيرات لا تعرف مصيرهن جميعا فقد كان قرار الإفراج عنها وحيدة بعد سنتين وثمانية أشهر ورغم محاولاتها إخراج أطفال وسيدات أخريات معها لكن الرفض كان جواب الإرهابيين فخرجت عام 2016.
حيدر التي عادت إلى عملها بعد نحو عام من الافراج وخرجت أختها بعدها بخمسة أشهر ترى أن الإعلام هو صوت المخطوفين خاصة الأطفال الذين ما زالوا يعيشون في ظروف أقل ما يقال عنها لاإنسانية.
وتدعو حيدر إلى إحداث مؤسسات للرعاية الصحية والنفسية للمخطوفين خاصة الأطفال والمراهقين ومساعدتهم في استعادة حياتهم اضافة إلى تسهيل الحصول على أوراقهم الثبوتية وتأمين المعالجة الصحية ومتابعة التحصيل العلمي والحصول على بطاقة مخطوف للاستفادة منها في ارتياد النوادي والمشافي والمشاركة في مختلف النشاطات متمنية أن تكون ممثلة للمخطوفين في المؤتمرات.
وتقول حيدر: “كنت والنساء الأخريات نمثل المرأة السورية المقاومة حيث واجهنا الإرهاب القاسي واللاإنساني بالتدريس والتعليم والتحدي ونحن نعرف أن هناك وفي أماكن كثيرة سيدات يقدمن أولادهن وأزواجهن فداء للوطن”.
حيدر وبمناسبة احتفال المرأة بيومها العالمي الذي يصادف يوم غد ترى أن السيدات السوريات سيقطفن قريبا ثمار صمودهن وتضحياتهن ومقاومتهن ويسجلن قصص بطولات جديدة تليق بالوطن موجهة الشكر لأبطال الجيش العربي السوري الذين يرسمون بخطواتهم النصر ويحملون السلام للجميع وللسيد الرئيس بشار الأسد رمز سورية وقائد صمودها.
إيناس السفان