بكين-سانا
حققت الصين خلال العقدين الماضيين تقدما اقتصادياً عالمياً واسع النطاق ونما اقتصادها في شتى المجالات ما جعلها من أهم أعضاء مجموعة البريكس الدولية التي تضم ثلث اقتصادات العالم فيما أظهرت بيانات رسمية أن اقتصاد الصين نما في العام 2017 بنسبة 9ر6 بالمئة متجاوزاً توقعات الحكومة وذلك بفضل نمو التجارة الخارجية ومبيعات التجزئة.
التطور الكبير الذي حققته الصين الشعبية اقتصادياً وفي الكثير من المجالات الأخرى دفع بالولايات المتحدة لنسج الخيوط السوداء ضدها تحت مزاعم حماية “أمنها القومي” لكنها أدركت أن الصين ليست مشروع فريسة سهلا للغرب الأمر الذي دفعها لاتباع سياسة المد والجزر معها تارة بالتصعيد والتلويح بالعقوبات وتارة أخرى بنسج خيوط الود معها.
وزارة التجارة الأمريكية أوصت مؤخراً بفرض عقوبات تجارية ورسوم جمركية إضافية على صادرات بكين ليأتي التحذير الصيني بالرد باتخاذ إجراءات لحماية مصالحها في حال تأكيد فرض اشنطن تلك العقوبات الجائرة وخصوصاً ما هددت به واشنطن لجهة صادرات الصين من مادتي الفولاذ والألمنيوم.
وزير التجارة الأمريكي ويلبور روس زعم أن كل التقارير تشير إلى أن واردات “الفولاذ والألمنيوم” الصينية تهدد بإلحاق الضرر بالاقتصاد الأمريكي لافتاً إلى أن وزارته وضعت ثلاث توصيات في هذا الصدد حيث تقضى الأولى بفرض رسوم على كل واردات هذين القطاعين أياً كان بلد المصدر فيما تقضي الثانية بفرض رسوم أكبر على واردات الفولاذ والالمنيوم من دول مثل الصين وروسيا بينما تنص الثالثة على وضع نظام للحصص.
ورداً على التوصيات الأمريكية قال المسؤول في وزارة التجارة الصينية وانغ هيجون في بيان :”أنه في حال أثر قرار الولايات المتحدة النهائي على مصالح الصين سنتخذ الإجراءات اللازمة دفاعاً عن حقوقنا”.
ولعل معركة الفولاذ والألمنيوم بين بكين وواشنطن هي أحدث المعارك الاقتصادية الشائكة بين البلدين فالولايات المتحدة تعتبر كل تقدم اقتصادي أو سياسي صيني يشكل خطراً على اقتصادها وخصوصاً في الأسواق العالمية حيث يعتبر ازدهار إنتاج الفولاذ والألمنيوم الصيني من الخطوط الحمر لأنه يشكل منافساً قوياً لاقتصاد أمريكا في هذا المجال وهو ما تعتبره واشنطن مساساً بأمنها القومي.
وبهذا الصدد يعتبر وانغ أن النتائج التي توصلت إليها تحقيقات وتقارير وزارة التجارة الأمريكية” لا أساس لها ولا تتماشى مع الواقع” وقال أنه على واشنطن أن “لا تتبنى اجراءات مقيدة بحجة الأمن القومي.. في معادلة غامضة بإمكانها أن تؤدي بكل سهولة إلى انتهاكات”.
ويشير إنتاج الصين من الفولاذ والألمنيوم إلى أنه يبلغ نصف إنتاج الفولاذ في العالم حيث تصر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على أن الإنتاج الصيني الزائد يلقى دعماً حكومياً كبيراً من الدولة الصينية حيث تسبب بخفض الأسعار العالمية ما يؤثر سلباً على الإنتاج الأمريكي والأوروبي سوياً.
ما يشير إلى حجم وقوة الاقتصاد الصيني هو ما حققته صناديق اليوان الصيني خلال الشهر الأول من هذا العام من انتعاش قياسي في احتياطيات العملات الأجنبية مقارنة مع الشهر الأخير من العام الماضي إذ نقلت وكالة الأنباء الصينية “شينخوا” عن البنك المركزي الصيني قوله أن “صناديق اليوان الصيني حققت انتعاشاً في احتياطيات العملات الأجنبية مسجلة 48ر21 تريليون يوان أي ما يعادل 39ر3 تريليونات دولار أمريكي حتى نهاية كانون الثاني الماضي”.
تطوير التعاون العسكري مع روسيا كان من الاجراءات الصينية رداً على الإجراءات الأمريكية لاسيما في نطاق إنشاء صناعة حربية مشتركة لعدد من الأسلحة المتطورة التي تحتاج إلى رساميل كبرى إضافة إلى زيادة أعداد وقدرات الجيش الصيني الأمر الذي حذر منه أحد القادة العسكريين الأمريكيين الأميرال هاري هاريس الذي قال في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة في الكونغرس الأمريكي ” أن التقوية المذهلة للقدرات العسكرية للجيش الصيني سوف تمثل قريباً تحدياً لأمريكا في جميع الحقول”.
التنافس التجاري بين البلدين إضافة إلى خلافاتهما في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي وحيال شبه الجزيرة الكورية وتباين رؤاهما حول قضايا أخرى أرخى بظلاله على اللقاء الأول للرئيس الصيني شي جين بينغ مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب في نيسان الماضي في الولايات المتحدة فيما أشار مراقبون إلى أن النتيجة الوحيدة التي خرج بها ذلك اللقاء هي الابقاء على الحد الأدنى من التفاهمات بين البلدين بحيث لا تتفاقم خلافاتهما إلى صراع مفتوح ستكون آثاره كارثية عليهما وعلى العالم كله في حين أسفر لقاء الرئيسين في بكين في تشرين الثاني الماضي عن سلسلة من الاتفاقات التجارية بقيمة إجمالية قدرها 4ر253 مليار دولار.