دمشق-سانا
محاولات أمريكية حثيثة وتهديدات متواصلة لتقويض الاتفاق النووي الإيراني الموقع مع مجموعة خمسة زائد واحد عام 2015 دأب عليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ عدة أشهر تمهيدا للتنصل والانسحاب منه واجهها رفض ملحوظ من كل الأطراف الدولية الأخرى مع تأكيدات على الالتزام واستمرار العمل به نظرا للآثار الإيجابية الكبيرة التي خلفها الاتفاق على الصعيدين الإقليمي والدولي.
محاولات ترامب التي جاءت عقب توليه منصبه قبل عام تندرج في إطار سياسة الابتزاز السياسي التي تنتهجها واشنطن حيال القضايا الدولية ودعمها لاستمرار التوترات والأزمات حول العالم حيث تحاول الحصول على مصالحها وتأمين مطامعها حتى ولو كانت على حساب مصالح الدول والشعوب الأخرى غير آبهة وغير مهتمة بمسألة الاستقرار والأمن الإقليمي والعالمي.
كما وتأتي هذه المحاولات رغم تأكيدات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وهي أكثر الجهات والمراجع الدولية المعنية بالاتفاق من خلال تقاريرها الدورية التزام إيران الكامل ببنوده منذ توقيعه.
الاتفاق النووي المذكور جاء بعد سنوات طويلة من المفاوضات الشاقة بين الأطراف الدولية الممثلة بمجموعة خمسة زائد واحد والمؤلفة من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وهي “روسيا وأمريكا وفرنسا وبريطانيا والصين” إضافة إلى ألمانيا من جهة وإيران من جهة ثانية حيث جرت العديد من الجولات على مدى 12 عاما في جنيف ونيويورك وغيرهما من المدن الدولية وتم في نهاية المطاف في العاصمة النمساوية فيينا التوصل في الرابع عشر من تموز عام 2015 إلى الاتفاق النهائي حول الملف النووي الإيراني وسط ترحيب دولي كبير.
وعقب التوقيع على الاتفاق تم التوجه إلى مجلس الأمن الدولي حيث تم إصدار القرار رقم 2231 دعما للاتفاق ولإعطائه إطارا دوليا شرعيا يمنحه القوة القانونية لتنفيذه ومنع الإخلال بتنفيذه من قبل كل الأطراف فيما دخل الاتفاق حيز التنفيذ في السادس عشر من كانون الثاني عام 2016.
وتضمن الاتفاق الكثير من الأمور الإيجابية على الصعيد الداخلي الإيراني لجهة رفع الحظر الاقتصادي الغربي الجائر المفروض على البلاد منذ عدة سنوات تدريجيا والإفراج عن مليارات الدولارات من الأموال الإيرانية التي كانت مجمدة في الولايات المتحدة والدول الغربية والسماح لطهران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 5ر3 بالمئة للأغراض العلمية ورفع القيود عن تصدير المعادن الثمينة والنفط والغاز وهو ما أدى إلى انتعاش الاقتصاد الإيراني بشكل كبير.
كما ساهم الاتفاق على الصعيد السياسي الدولي في حصول حالة من الانفراج في العلاقات الإيرانية الغربية حيث زار طهران بعد التوقيع الكثير من المسؤولين من الاتحاد الأوروبي الذين شددوا على أهمية الاتفاق وضرورة الالتزام به كونه يمهد لفتح صفحة جديدة من العلاقات بين الجانبين ويرسي أسس الاستقرار الحقيقي في المنطقة.
الإيرانيون قبل توقيع الاتفاق أكدوا مرارا عدم سعي بلادهم لامتلاك أسلحة الدمار الشامل وأن برنامجهم النووي مخصص للأغراض العلمية السلمية وشددوا بعد توقيعه على الالتزام التام بجميع مخرجاته وبنوده في إطار حرصهم على الأمن والسلم الدوليين.
كما واجهوا على مدى الأشهر الماضية تهديدات الرئيس الأمريكي بالانسحاب من الاتفاق حيث أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني مطلع العام الجاري أن الولايات المتحدة أخفقت في تقويض الاتفاق النووي بين طهران والقوى الكبرى وتلقت هزيمة كبيرة عندما أرادت الوقوف في وجه الرأي العام العالمي وقال: “إن الاتفاق النووي انتصار دائم لإيران حققنا فيه نجاحات سنحافظ عليها ولن تفنى عند خروج أحد الأطراف منها وأثبتنا للعالم أجمع أن المشاكل الإقليمية والدولية المعقدة يمكن حلها من خلال المفاوضات والحوار كما أثبتنا مصداقية إيران وكذب أعدائها”.
رئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني علي لاريجاني أكد مؤخرا في سياق المواقف الإيرانية الرافضة لمواقف ترامب أن التغييرات التي يتحدث عنها الرئيس الأامريكي بخصوص الاتفاق النووي بين إيران والمجموعة الدولية تعني تدمير هذا الاتفاق مشددا على أن المجلس يرفض أي تغيير في هيكلية الاتفاق ومضمونه.
وفي آخر التطورات حول الاتفاق النووي رضخ الرئيس الأمريكي للضغوط الدولية المناوئة لمواقفه وقرر يوم الجمعة الماضي تمديد تجميد الحظر ضد إيران في إطار الاتفاق النووي لمدة 120 يوما فيما أكدت الخارجية الروسية أمس ضرورة النظر بعناية إلى الاتفاق النووي الإيراني وقالت: “يجب النظر بعناية إلى الأمور الإيجابية التي تحققت في القضايا المهمة مثل تنفيذ خطة عمل شاملة مشتركة لحل الوضع حول البرنامج النووي الإيراني” أما الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيرس فقد قال في بيان له أمس ردا على مطالبات ترامب بتعديل الاتفاق النووي: إن الاتفاق أسهم في تحقيق السلام والأمن على الصعيدين الإقليمي والدولي مشيرا إلى أنه يجب التعامل مع القضايا غير المرتبطة مباشرة به بطريقة تحفظه ودون الإضرار بإنجازاته.
وتشير تلك المواقف إلى مدى إدراك الأسرة الدولية لأهمية الاتفاق النووي الإيراني من كل النواحي السياسية والدولية على المنطقة والعالم خلافا للرئيس الأمريكي الذي يضرب عرض الحائط بكل تلك المواقف في إطار قراراته وتصريحاته المتهورة التي دأب على اتخاذها منذ توليه منصبه في العشرين من كانون الثاني من العام الماضي.
محمدجاسم