إذا تبحرنا قليلا في ايها اميركا الحقيقية، فقد نراها في كل هذه: في ولادة داعش وهي قاتلها، هي وراء فكرة الارهاب وهي من يتلفظ بأفكار القضاء عليه، هي تسمي الارهاب بالكيفية التي تحتاجها، وهي حرة في ان تفرق فيه بين معتدل ومتطرف، مرة يكون معتدلا فيصير متطرفا، وأخرى متطرفا فيصير معتدلا.
اميركا في هذه الوجوه، هي تلعب الشيء ونقيضه، تحب وتكره في آن معا هذا اذا افترضنا ان لها قلبا ينبض بالإحساس الإنساني، تؤمن بالحروب لكنها تدعي السلام، وعلى الرأي الروسي كلما ارادت السلام فعليها ان تستعد للحرب.
هل هو قانون الدول العظمى التي لا حدود لقوتها، أم هي الأمركة بحد ذاتها. نكاد نشهد للفكرة الثانية، فأميركا اليوم تقود العالم ضد “داعش” في الميدان وتنساها كفكرة وهي اهم من كل طائراتها وصواريخها، وفي الوقت نفسه تعمل على تسليح ما تسميه المعارضة السورية المعتدلة، فهل مع الارهاب اعتدال، وهل يمكن لمعارضة الا تلك التي يحتفي بها اي برلمان، وعندما تكون حاملة السلاح تصبح ارهابية لا مناص.
هذه الأفكار، وهذا التذبذب، وتلك المراوحة، تضع العالم في قلق دائم. كأنما فكرة اميركا الحقيقية ان يظل العالم مشتعلا كي تظل وصايتها عليه، تأمره فيطيع، تشير له بغمزة عين أو بكلمة سحرية فيفعل. تلك هي الدوامة التي يعيشها اهل الارض، وفي مثل هذه الأيام بالذات، حيث تكثر التعابير عن الهلع ازاء “داعش” التي انبثقت من رحم الاميركي، فغذاها وكسا لحمها وعظمها، ثم صنع لها أنيابا، فصارت وحشا يعيد صورة الحياة الأولى في صراع الغابات.
جميع المتعاملين مع اميركا يفهمون لعبتها لكنهم يبتلعون ألسنتهم. هناك الخوف من قول الحقيقة التي قد تؤدي الى ما لا تحمد عقباه، فصداقة اميركا مشكلة، وعداوتها كارثة، انها عالم مليء بالتناقضات، ومثلما هي تكون دائما في السياسة، ومثلما تحب ان تكون، تخترع لوجودها كل الأشكال التي تبقيها في واجهة العالم، صانعة لأحلامه وآماله، ومساعدة له، هكذا تبدو وهكذا تسعى لأن تكون.
مهما قلنا في الولايات المتحدة الاميركية فنحن قد لا نصل إلى عمق الوصف الحقيقي. ولذلك سنظل في الدوامة التي جعلتنا جميعا في ارتباك. كيف يمكن لأي انسان ان يصدق انها من صنع داعش وانها تسعى لقتله. من يمكن ان يكذبها حين تنادي بالمعارضة المسلحة المعتدلة، أجل المسلحة المعتدلة!! وهل هنالك أبلغ من كلمة مسلحة كي نعرف أنها رمز الإرهاب. صور تتداعى عن دولة عظمى تحبس العالم وسط قوانينها ونظرتها، ولا تتركهم يفكرون خارج سربها.
حقيقة مرة، ان يكون حاميها حراميها، وان يكون الخصم والحكم، وان يكون الفاعل الذي لا يجاريه فاعل، ومع ذلك تظل، بكل أسف، من يصنع القدر، ومن يصنع طريقة الحياة المثلى. تناقض يجب تقبله في حضرة هكذا قوة فائضة، جاءت لقتل داعش فكأنما تريد قتل نفسها، وهي لن تقتله بالتالي، ولسوف تمنح المعارضة سلاحا، لكنها تعرف ان سلاحها في الماضي لم يفعل شيئا مع الجيش العربي السوري. دعم للإرهاب وانسحاب من دعم ثم دعم. طفرة افكار متناقضة ومع ذلك يقبل العالم تهويماتها.
رأي الوطن