لعل السؤال الأكثر إلحاحاً وسط سيل الأسئلة المستولدة من رحم التطورات المتلاحقة بعد بدء الضربات الأميركية لمواقع داعش في سورية بالشراكة مع أدواتها الداعمة والمموّلة والمُنتجة للإرهاب، هو ماذا بعد ؟!! سؤال يحضر على ألسنة الجميع دون استثناء.. من كان يعوّل على التحالف الأميركي، ويراهن على أدواته بما يحمله من حالة تشفٍّ واضحة بعد سنوات من التحريض على العدوان، أم ذاك الذي لا يزال يرى فيه مشروع «بروباغندا» إعلامية ودعائية وترويجية تتجاوز السقوف المألوفة مدعّماً بكثير من النتائج والتداعيات على الأرض.
ما يزيد من ضغط السؤال هو اقترانه بكثير من الغموض الموازي على جبهات العمل السياسي والدبلوماسي والإعلامي وحتى العسكري، فيما تزداد الأحجيات على الضفة الأخرى، في قراءة وتفسير ما يرتدّ من تفاصيل تبدو خارج سياق كل العناوين المطروحة، بما في ذلك ما تروّج له قنوات الدعاية الغربية، بتعدد مستوياتها واختلاف توجهاتها، حول الخطط السنوية الممتدة في إطار الحديث عن أمد المواجهة.
في التفصيل البسيط المتداول عن خطة أميركية تمتد لثلاث سنوات، ثمّة مفارقات قائمة على ضفتي المشهد تتعلق بالحالة الافتراضية المقابلة لها، وفي مقدمتها منهج واستراتيجية التنظيمات الإرهابية التي أُعطيت سلفاً مهلة زمنية تستطيع من خلالها إعادة تشكيل تموضعها التنظيمي والإرهابي والتمويلي، بشقيه الذاتي والخارجي إلى حدود الاختفاء ومن ثم التبلور تحت عناوين وتسميات مغايرة تماماً.
وفي مجريات الأحداث، تبدو العلاقة التحالفية موضع مزايدة حسية واستدراكية على جبهة الحسابات التي تجري خلف كواليس الأدوات والحلفاء، والأدوار الوظيفية المنتقاة التي تستنفر العالم سياسياً وعسكرياً على مدى السنوات تلك تحتمل المتوالية الهندسية وليس العددية فقط.
في العودة إلى صلب السؤال ومحاولة فرد النقاش في الإجابة المحتملة تتكاثر الاحتمالات كالفطر، بحكم أن هناك من يجزم ولديه حججه ومسوّغاته أن سقوف التحالف الأميركي أبعد مدى مما ظهر، ولكل طرف حساباته وإن اكتفى اليوم بتوجيه ضربات أكثرها لا يحدث انعطافة على الأرض، ولا يشكّل إضافة نوعية في المواجهة، خصوصاً مع الحصيلة الهزيلة التي تتراجع في الكمّ والنوع.
ما يراكم من القرائن التي تجعل الجزم في مرتبة اليقين، هو التسريبات عن إعادة تموضع التنظيمات الإرهابية، ورفع مستوى التنسيق الاستخباراتي على محورين اثنين، الأول بين أدوات التحالف، والثاني بينها وبين داعش وسائر التنظيمات الإرهابية التي غالباً ما تلجأ إلى إخلاء مواقعها وأحياناً تغيير هويتها التنظيمية وتبعيتها قبل الاستهداف الغربي لها، والدليل المُحكم والقرينة الدامغة في أكثر من موقع ونقطة جغرافية كان القصف فيها على الفراغ وفي الفراغ، فيما أفرادها يتحالفون تحت الراية التركية وبرعاية أميركية.
وهذا يتقاطع مع الترويج الغربي لمقولة أن الحرب والمواجهة هي استنزاف طويل الأمد، لن ينتهي بتبخّر داعش، بقدر ما يهدف إلى الإجهاز على ما تبقى من مقدرات في المنطقة، وهنا يستوي الجميع على مسطرة أميركية واحدة، تعيد من خلالها تقييم قنوات أطماعها ومصالحها على ضوء الناتج الاستراتيجي والمخزون المتراكم من صفقات على حساب المنطقة ومقدراتها ومصالح شعوبها.
لعبة البازار الأميركي والمتاجرة التي أتاحتها وتتيحها الفواصل الدراماتيكية في تقلبات التحالف، تشي بالمسعى إلى حروب أميركية مباشرة، لكن الفاتورة والضحايا من هوية واحدة ولو تلونت في الشق السياسي ولا يدخل في قوامها الجنود الأميركيون.
أولى المبررات تنطلق مما يحصل من تغيير في الاصطفافات، وما يطفو على سطحها من زلات لسان تكشف المستور من التحالف ودوافع المشاركة فيه.
الإجابة الوحيدة هنا لا تقدم إضافة، بل تُشعل أسئلة أكثر إلحاحاً في ظل قناعة تترسخ بأن كل ضربة للتحالف الأميركي قد تقتل بضعة إرهابيين، لكي تولّد – من خلف ما تثيره من غبار مفتعل – مئات الإرهابيين بتسليح أميركي وتمويل من تحالفات أدواته لتصفية حسابات قديمة بوظائف جديدة مهمتها توفير وقود الحروب المشتعلة لعقود قادمة.
بقلم: علي قاسم