دير الزور-سانا
منذ الخامس من الشهر الجاري حيث تمكنت وحدات الجيش العربي السوري من كسر طوق الإرهابيين وفك الحصار عن مدينة دير الزور بدأت الصورة العامة لهذه المدينة تشهد تغيرات واضحة تجاوزت ثمار هذا الانجاز الكبير ميدان العسكر والسياسة لتعم مختلف جوانب حياة الأهالي وسبل عيشهم.
جولة واحدة اليوم في شوارع وحواري عروس الفرات التي كسرت أغلال العبودية من إرهاب همجي وتزينت بملامح نشوة النصر تضع حدا لقائمة من التساؤلات عن يوميات أهالي هذه المدينة وكيف تجلى هذا النصر الذي فرضه رجال الجيش في الميدان بقوة الحق وروح الفرسان النبلاء في تدبير أحوالهم وتأمين معيشة كريمة تنفض عنهم أكثر من ثلاث سنوات كادت تكسر هممهم وتقتل الأمل في نفوسهم.
في حي هرابش المطل على المطار العسكري من جهة الشمال الغربي والذي كان شاهداً قسرياً على ضراوة القتال هناك وقساوة الحصار في كل أزقته وحواريه وبيوته بات بالإمكان التثبت بأن أهالي هذا الحي قبضوا مجدداً على الحياة وأيقنوا أن ما كان حلماً في داخلهم وكادوا يفقدنوه بات أمرا واقعاً يتحسسونه بلهفة المحروم وغبطة الأطفال.
أبو محمد الخضرجي الحاصل على شهادة الثانوية العامة منذ سنوات طويلة يقص حكاية الانتقال من حال الحصار والعبودية إلى حال التحرر والنصر ويقول “ثلاث سنوات مرت علينا طويلة قاسية.. قضيناها كالعبيد .. قضى الجوع على بعضنا.. أطفالاً وشيوخاً.. وكاد يقتلنا كلنا قبل أن تصل إلينا طلائع رجال الجيش العربي السوري حاملين بشائر النجاة والنصر.. كان إرهابيو “داعش” يستهدفون البيوت ومحلات البيع وحتى الحقول ويقومون بمنع وصول المواد الغذائية إلى الحي ويسطون عليه تاركين الأهالي فريسة للجوع والمرض”.
ويضيف أبو محمد أنه بعد أن كانوا ينتظرون فترات طويلة للحصول على بعض الطعام الذي “كانت تسقطه الطائرات بالمظلات تحسنت الأوضاع كثيرا بل لا يمكن المقارنة.. فبعد وصول قوات الجيش العربي السوري دخلت على الفور عشرات الشاحنات محملة بكل الأصناف من المواد الغذائية والطبية وبدأ أهالي الحي بالخروج من منازلهم ومزاولة حياتهم بشكل طبيعي تقريبا”.
مرعي كان يعمل مدرساً قبل فرض الإرهابيين الحصار على الحي التقيناه يحمل حقيبة مدرسية تسلمها من أحد المراكز التي أقامتها الحكومة وتوزع المستلزمات المدرسية للطلاب.. قال إنه حريص اليوم بعد الانتصار الذي حققه الجيش العربي السوري على عودة أطفاله وكل أطفال الحي والمدينة إلى المدارس مشيرا إلى أن الأوضاع “باتت أفضل بكثير ومناسبة لعودة المدارس وعودته إلى عمله بشكل منتظم خلال أيام قليلة”.
في منتصف الشارع الرئيسي تجمع عدد من الأهالي أمام بقايا صيدلية قالت السيدة أم عبد الرزاق إن هذه الصيدلية “أغلقت منذ سنوات وباتت مكانا مهجورا إلى أن وصلت قوافل المساعدات التي أرسلتها الحكومة مؤخرا بعد وصول الجيش وفك الحصار عن الحي فتوفرت نسبة كبيرة من الأدوية ولاسيما الضرورية والإسعافية منها”.
إلى القسم الغربي من المدينة عبر عدد من أهالي حي القصور عن ابتهاجهم بوصول قوات الجيش العربي السوري وتحريرهم من حصار إرهابيي “داعش” وقد بدت معالم الحياة الطبيعية واضحة على الحي رغم بعض الحذر من غدر الإرهابيين الذي ما زالوا يستهدفونه بقذائف الموت المتنوعة ويقول أبو فهد من أمام أحد الأفران أنه لا يكاد يصدق أنه بات بإمكانه الحصول على الخبز بشكل طبيعي مشيرا إلى أن الإرهابيين كانوا يستهدفون المواطنين خلال تجمعهم لشراء هذه المادة التي لا يمكن الاستغناء عنها كما أنهم كانوا يقطعون كل الطرقات المؤدية إلى المدينة.
يختم أبو فهد حديثه بالقول” مع فك الحصار ووصول قوافل المساعدات بعد سنوات من الحرمان والجوع الآن صار بامكاني أن أضحك “للرغيف السخن”.
وكما أهالي أحياء هذه المدينة التي استفاقت من غيبوبة الإرهاب والجاهلية إلى واقع الحياة ويقين النصر والاستمرار ما كان بإمكاننا ولا العشرات الصحفيين الذي توافدوا من أصقاع مختلفة التفكير بالوصول إلى هذه الأزقة وتلمس جغرافيتها والتجوال في تاريخها لولا تلك الملاحم التي سطرها رجال الجيش في الطريق إلى هنا.
جولة اطلاعية استنزفت منا الكثير قبل اتمامها.. لكنها بالتأكيد ليست بوارد مقارنتها مع ما تطلبته جولات طويلة من العراك خاضها بواسل الجيش العربي السوري مع الباطل والشر الذي أتى هذه المدينة بهيئة غول غاشم تربى في أحضان أنظمة وحكومات تزعم التحضر والرقي أطلقوا عليه اسم “داعش”.