يبسط الانتظار هيمنته على المشهد في المنطقة، في ظل غموض يلف تفاصيل الخطوات الأميركية وخطة مواجهة داعش، وتوجس واضح وصريح من حوامل تلك الخطة إقليمياً، وتبعاتها على الاصطفاف السياسي الذي يعاد تشكيله في تسرع يزيد ضبابية الدور والوظيفة التي قد توكل لهذه الأداة أو تلك، ولذلك المحور أو نقيضه في تركة تعيد إدارة خراب المنطقة.
والأمر ينسحب على العناوين القائمة والقادمة، كما ينطبق على التفاصيل التي تم تسريبها، أو تلك التي لا تزال حبيسة الأدراج، بعد أن أخذ الحشد والتحريض – وعيداً وتهديداًَ – ساعات طويلة من الجهد الأميركي ومعه الفرنسي المطالب بمهام إضافية تحاول أن تكرر تجربة الحشد الغربي قبل العدوان على ليبيا، إذ تزداد الأسئلة المؤجلة كلما مرت الأيام والساعات من دون أن تعدل الإدارة الأميركية من رتم التواءاتها الدبلوماسية.
فالحديث عن الشمولية في المواجهة يناقضها على الجانب الآخر استبعاداً أو تحييداً ما تهمس به جولة كيري المكوكية التي واجهت استعصاءً واضحاً في انتزاع مشهد موحد للأدوات والتابعين، وارتباكاً في صفوف الأجراء المرتزقة الذين تعصف بهم ريح الحيرة وأحياناً أعاصير التبدل في قنوات الدعم والتسليح ومفاتيحها المتبدلة من يد إلى أخرى من تحت الطاولة وأحياناً من فوقها.
وفيما أجندات الانتظار تضغط في الاتجاهين صعوداً وهبوطاً، تمارس السطوة الغربية حضورها في ملفات تحولت مع الوقت إلى إرث يمارس بدوره الضغط، لكن في اتجاه مختلف وأحياناً معاكس لكل التوجهات الغربية، حيث تنفجر بين الحين والآخر ألغام موقوتة لم تكن بالحسبان، نتج في أغلبها عن محاكاة افتراضية لقواسم الحلفاء وتقاطعها مع الأدوات التي أبدى بعضها امتعاضاً أو تبرماً من التعويم غير المقنع لأدوات تفشت بينها الخلافات، وتوسعت هوامش التناقض في المعادلات التي حاولت ضبطها على مدى أربع سنوات خلت.
فالتركي لم يعد يجد في السعودي أهلية تخوله ليكون مركز استقطاب غربي في التعويل عليه، والقطري لا يخفي هواجسه وانحناءه أمام المطالب الغربية بتقديم كشف حساب مسبق بإنهاء محاوره الوظيفية التي فاقمت حالة الخلاف والاختلاف، ولا يجد السعودي بداً من المكاشفة المباشرة بأوراق الضعف التي شكّلها التقاعس الأميركي على مدى السنوات الماضية، ولا يتردد في محاولة الاستقواء بالنتائج التي خلصت إليها، لتكون قارب نجاة من ورطة التنظيمات التي رعاها وموّلها وأنتجها، وبوابة هروب من المساءلة الأممية ولو بعد حين.
تفرد المداولات الجانبية مساحات كلية للأوراق القديمة في الملفات التي استوطنت على طاولات، اقتضت الضرورة أن تعدّ على عجل، وبعضها يغرق في تفاصيل المحاججات التي تنطوي عليها حين يطفو الجدل بين الحلفاء والأدوات على السطح، في مقاربات تبدو أقرب إلى جردة حساب لا تخلو من ضغط وابتزاز، حيث تفرش العواصم الغربية بيوتاتها السياسية والدبلوماسية، وتحشد معها الأدوات التي تراهن على نفوذها في استقطاب ما عجزت عنه باريس وواشنطن معاً.
وفيما تحولت دوائر الإليزيه إلى مسرح إضافي لاستعراض سياسي وضجيج دبلوماسي لم يخل من المبالغة المتعمدة ، كان البيت الأبيض يعج بالوافدين مما اقتضت العجلة الأميركية استدعاءهم من خلف الأضواء في مذكرات جلب متتالية، لتسلم أمر العمليات المعتمدة لخطتها، بما فيها أولئك المنسيون من الدعوات أو المتروكون لحين الحاجة.
التنافس في الاستنفار لا يعدو كونه محاولة التفافية يحيطها الكثير من الغموض ويعترضها الكثير من العقبات والمطبات التي استدعت في الحد الأدنى جملة من الخطوات الاستدراكية المشتركة بين باريس وواشنطن، اقتضت إعادة توزيع الأدوار على الملأ، وما عجزت عنه الإدارة الأميركية بالإغراء تمارسه باريس بلغة التهويل والمبالغة، حيث لا تكتفي بالدبلوماسية، بل تستعين بالعسكرة بوزير حربها في عواصم أبدت حتى اللحظة رفضاً أو في الحد الأدنى لم تظهر حماسة كافية.
تستيقظ هواجس الأدوات الأميركية على وقع الفروقات التي تتسع في حسابات الحلفاء والأدوات، وقد غذتها الضغينة المستشرية في قلب المشهد التحالفي، حيث لغة الابتزاز والمساومة قائمة على قدم وساق.
وحده الإرهاب لا يعنيه الانتظار ولا يملي عليه أجندات إضافية، وهو يدرك بحكم التجربة مع الغرب أن تغيير هذه الأداة أو تلك وتحييد هذا الطرف أو تلك القناة عن التمويل والاحتضان أو جهة التدريب، لا يغيّر في المعادلة شيئاً، طالما بقي الغرب يعتمده طريقاً وأسلوباً لتنفيذ أطماعه وترميم ما تضرر من مصالحه، مهما كان الشعار أو اللافتة حرباً أو مواجهة أو احتواء.
بقلم: علي قاسم