الشريط الإخباري

أمريكـا بين الاسـتراتيجية المعلنة والتكتـيك المخـفي-بقلم: سليم حربا

حبس العالم أنفاسه وهو ينتظر استراتيجية الرئيس الأمريكي باراك أوباما لمكافحة الإرهاب، وراحت التحليلات تشرّق وتغرّب والمؤتمرات والاجتماعات والجولات تقرّب وتبعّد بانتظار المولود الاستراتيجي الذي سيتمخض عنه الجبل الأمريكي في المحيط الأطلسي والذي سيأتي برداً على الإرهاب وسلاماً للبشرية،وإذ بالعملاق الأمريكي بعد عسير مخاض وجمع وطرح وتقسيم يُنجب استراتيجية بلا استراتيجية وبلا طعم لكنها بلون «داعش» ورائحة أخواتها من «جبهة النصرة».. ومنتفعاتها، والتي جاءت لتفسر الماء بعد الجهد بالماء ولتؤكد أن فاقد الشيء لا يعطيه.

هذه الاستراتيجية التي جمعت أمريكا وصغارها الأميين لتعلمهم جدول ضرب الإرهاب في المدارس التي تعلّم وتربى فيها الإرهاب على مقاعد تنظيم القاعدة وداعميه ورواده وأساتذته من (رياض) الإرهاب إلى (دوحته) إلى طربوش تخرجه وشهادته في بابه «الواطي» العثماني،وجدول الحساب الأمريكي هذا يقول في المحور الاستراتيجي الأول ضرب «داعش» بـ«داعش» وجمع «داعش» مع «داعش» وطرح «جبهة النصرة» وأخواتها المتشبهة بها من الإرهاب وفق نظرية إعادة شبه المنحرف والمنحرف من «داعش» الذي لامس الخطوط الحمراء في أربيل إلى الخط الأمريكي – الصهيوني وفق نظرية (الدونكيشوت) الوهابي لمن يتنكّر للجميل ويتمرد على معلمه وولي نعمته من السلاح والمال والمرتزقة والنفط وسلسلة ترويض الإرهاب التي تمر بمراحل التمني والتبني والعتاب والعقاب والحساب إلا لمن تاب والآن وقت التأديب وإعادة الترويض..

والمحور الاستراتيجي الثاني هو عدم التنسيق والتعاون مع الحكومة السورية وإيران وروسيا والصين والتعويل على دعم ما تسميها أمريكا «المعارضة المعتدلة» أمريكياً والمعتلّة وطنياً هذا السراب الذي بحثت عنه أمريكا بكل مجاهرها العسكرية والأمنية والسياسية بعد أن دعمته بلا حدود ولا قيود ليبقى ويقوى وإذ به يتحول إلى وجبة متواضعة لـ«داعش» و«جبهة النصرة» التي تتجشأ عظام ما تبقى مما يسمى «المعارضة المعتدلة» وتقول لأمريكا: هل من مزيد؟ هذه الاستراتيجية الأمريكية التي تفتقد إلى بدهيات التفكير والتطبيق الاستراتيجي وهو فن الممكن لا يمكن أن تصرف إلا في مجارير الصرف اللا صحي لعدة أسباب:

1-لا يمكن لدول وحلف الإرهاب أن يكافحوا الإرهاب بل سيعيدون تفكيكه وتركيبه وإنتاجه وتوجيهه على مبدأ مخلب الإرهاب لا يمكن أن يخرج من لحم داعميه وتطبيقاً لمبدأ أمريكي ثابت يقول: إن الأدوات لن تنتهي صلاحيتها حتى ينضج البديل.

2- هذا (الحلف) خارج عن القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ومضمون القرار 2170 ويذكرنا بما كان يسمى (أصدقاء سورية) وفي حقيقته كان حلف دعم الإرهاب ويذكرنا أيضاً بتجميع آسن لما يسمى «الائتلاف»، وظاهر هذا «الائتلاف» الجديد يضم 40 دولة لكنه في جوهره يضم أمريكا و39 إمارة أمريكية أمّارة بالسوء ومؤتمرة برغبة أمريكا ولا حول ولا قول ولا عرض ولا طول لها إلا هزّ الرؤوس.

3- الوهم الاستراتيجي الأمريكي بأن مكافحة الإرهاب تأتي بالإعلام والعنتريات والبندريات والضربات الجوية الانتقائية واستهداف النتائج ودفن الرؤوس عن المسببين والأسباب.

4- الخطأ الاستراتيجي الأمريكي ببدهيات الحسابات والتوازنات التي لا تسمح لأمريكا بالتفرد بمكافحة الإرهاب وفق تعريفها ومصالحها وإعادة احتلال وتقسيم المنطقة وفق مصالحها وأطماعها.

5- كيف لأمريكا أن تختزل الإرهاب بـ«دواعش» العراق ورحلة تأديبهم وتطلق العنان لتسمين «دواعش» سورية واخوتهم من المهد إلى اللحد من «النصرة» و«الجبهة الإسلامية» وسلالاتها وتدّعي أنها تنفذ القرار 2170 الذي نصّ صراحة لمن به صمم أن كل هذه التنظيمات إرهاب؟

6- أين «المعارضة المعتدلة» التي تبحث عنها أمريكا وهي التي ذابت وتم هضمها في بطون «داعش» و«النصرة»، وكانت الوسيلة وساعي بريد السلاح والمال والمرتزقة الأمين لرص صفوف الـ«دواعش»، وهي المسؤولة عن قتل الآلاف من مجازر جسر الشغور والعاصي والتريمسة ونوى ودير الزور وتهجير المسيحيين والمسلمين والأرمن من حلب إلى كسب وصولاً إلى الازيديين وليس انتهاءً ببيع الصحفيين الأمريكيين فولي وساتلوف في بازرات اردوغان إلى «داعش» بمبلغ 50000 دولار لكل رأس؟

7-هل تستطيع أمريكا أن تغيّر طبع «جبهة النصرة» وأخواتها وتهذبها وتشذّبها وتجعلها «معارضة معتدلة» كرد جميل لتعاونها مع الكيان الصهيوني وتنسكها بالإفراج عن جنود الأندوف برعاية قطرية؟

8- هل تمزح أمريكا عندما تقول إنها ستضرب «داعش» في سورية من دون التعاون مع الحكومة السورية وهي تدرك بالرسائل الذاتية السورية التي تقول إن أي استخدام للقوة من دون التعاون السوري بعد أن مدّت سورية ذراعها للتعاون المبدئي سيكون عدواناً وسيرد عليه كعدوان، وأمريكا تعرف وتعترف بأن مواطن القوة الذاتية العسكرية السورية وتحديداً منظومة الدفاع الجوي مازالت في أعلى جاهزيتها ولم تُستخدم ولم تُستنزف طيلة العدوان على سورية وأي صد سيكون أوقع من أي رد؟ إضافة إلى الرسائل الموضوعية من إيران إلى روسيا إلى ما بعد بعد بكين وشنغهاي التي تقول العدوان ممنوع؟

9- ألم تدرك أمريكا بحسها الاستراتيجي أن ما تملكه سورية من إنجاز ميداني عسكري يصعب على دولة عظمى وما تملكه من مخزون معلوماتي عن الإرهاب وحسبه ونسبه وخيوطه السرية والعلنية إلى مشيمته وجذره هو كلمة السر التي توصل المفاتيح والأبواب الحقيقية في مكافحة الإرهاب؟

10-هل تريدنا أمريكا أن نصدق فيلمها الهوليوودي أنها تريد مكافحة الإرهاب لا مكافأته أو الخوف من «داعش» وليس الخوف عليها، أو محاربة «داعش» وليس الحرب بها ومعها؟

11-هل الحسابات الاستراتيجية لكل هذا الحلف المزعوم تحتاج ثلاث سنوات لمواجهة هذا (الغول) الذي يسمى «داعش» وآخر تقارير المخابرات الأمريكية منذ أيام يقول: إن جحافل «داعش» الجرارة والكرارة بين 20 إلى 30 ألفاً في العراق وسورية.. بينما قالت التقارير نفسها منذ ستة أشهر إن ما دخل إلى سورية من الأجانب فاق 248 ألفاً، واستطاع الجيش العربي السوري أن يقطّع أوصالهم ويحطم مجاميعهم؟

12- هل هذه الاستراتيجية المعلنة للاستهلاك والضغط لتحصل أمريكا من التهديد بها عمّا عجزت عنه في سورية عسكرياً وسياسياً والضغط على إيران وروسيا وفي الوقت نفسه تخفي في ثنايا هذه الاستراتيجية تكتيكاً آخر؟.
منطق العقل والحسابات الاستراتيجية العسكرية والأمنية والسياسية الإقليمية والدولية ومنطق التوازنات الحساسة والدقيقة والوزن الإعلامي الاستعراضي للحلف المزعوم والوزن النوعي للحلف الحقيقي الذي يواجه الإرهاب منذ سنوات والذي تقوده روسيا يقول: انه يجب أن تبني أمريكا على الواقع مقتضاه وتطبّق تكتيكاتها الحقيقية التي تحقق مصالحها إن كانت مجازاً جادة وصادقة ولو مرة في مكافحة الإرهاب لكي لا تقع في الخطأ الاستراتيجي الذي سيصعب ردمه وتجد نفسها مرة أخرى تطلب سلم نزول وتستجدي التعاون مع سورية وحلفائها وتجد نفسها مرة أخرى إنها تجتر مصطلح انقرض ولم يعد يصلح في الميدان ولا في السياسة اسمه (المعارضة المعتدلة) التي تمثل رحلة البحث الأمريكي عنها المستحيل الرابع بعد الغول والعنقاء والخل الوفي، فهل تصحو أمريكا وتكبر على الحقد وقصر النظر والمصالح القصيرة وتتعامل بالبصيرة وتعيد تجربة القضاء على نازية القرن العشرين عندما تعاون أكثر نظامين تناقضاً في التاريخ الاشتراكي والرأسمالي.. وهانحن اليوم في القرن الواحد والعشرين نواجه نازية وهابية تكفيرية متجددة.. فهل نلتقط اللحظة التاريخية المصيرية الإنسانية ونهزمها إلى الأبد لكن بالمطلق ليس بما أعلن من استراتيجية أمريكية وإلا فإن العالم سيقول لأمريكا قريباً سبق السيف العذل.

صحيفة تشرين