لم يتوقع أشد المتشائمين بسياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن تصل سياسة إدارته إلى هذه الحالة الصدامية مع العالم والتي من شأنها إدامة المشاكل المتفاقمة التي من المفترض أن تعمل واشنطن والقوى المؤثرة الأخرى ومنها موسكو على حلها.
الخط البياني التصعيدي لسياسة إدارة ترامب يرتفع بشكل غير مسبوق ويطول المسائل الاقتصادية والسياسية والأمنية مع العديد من الدول المتباعدة وفي القارات المختلفة بدءاً من فنزويلا ومروراً بروسيا والصين وكوريا الديمقراطية وإيران وسورية، حيث تنصّب إدارة ترامب نفسها كقوة غاشمة يجب على العالم الإنصات لمطالبها وتنفيذها.
إن لجوء إدارة ترامب إلى سياسة المواجهة يعرض العالم أجمع إلى أخطار كبيرة جداً من الصعب تلافي عواقبها على الاستقرار الدولي الهش بسبب تنامي النشاط الإرهابي بفعل توجه الولايات المتحدة إلى إدارة حرب بالوكالة في الشرق الأوسط أدواتها الأساسية تنظيمات إرهابية مدعومة من دول تفرخ الإرهابيين وتدعمهم مالياً وتسليحياً.
لا شك أن لجوء واشنطن إلى إدارة حروب بالوكالة والعقوبات الاقتصادية يعكس مجموعة من نقاط الضعف على المستوى العسكري والسياسي وهذا ملاحظ على الوجود العسكري الأميركي في بعض مناطق العالم وفي العلاقة السياسية مع الاتحاد الأوروربي والقوى الصاعدة في قارتي أميركا وآسيا.
وأيضاً ينعكس الانقسام داخل مؤسسة الحكم في الولايات المتحدة حول العديد من الملفات الداخلية والخارجية على السياسة الأميركية التي تتسم اليوم بفقدان لغة الديبلوماسية وهيمنة اللغة العسكرية الأمنية المدعمة بسياسة العقوبات الاقتصادية.
من المؤكد أن الصمت الذي يلف العديد من الدول الغربية والقوى الكبرى حيال سياسة ترامب لن يستمر طويلاً، والتهديدات الروسية بمواجهة العقوبات الاقتصادية ضد موسكو بإجراءات قاسية تنبئ بمعركة سياسية اقتصادية حامية الوطيس تتحمل واشنطن مسؤولية كل تبعاتها على مستوى التعاون الدولي في ملفات خطيرة ومصيرية على العالم.
وفي ظل التواتر المتصاعد للسياسة الأميركية الهجومية في كل اتجاه لن يبقى مفيداً الاستمرار بحالة الاحتواء المعتمدة من قبل القوى الأخرى فذلك يشجع إدارة ترامب على التصعيد ويفترض أن تواجه السياسة الأميركية كي لا تصل الأمور إلى المرحلة التي يتحول بها الاشتباك السياسي الاقتصادي إلى الاشتباك العسكري.
إن حالة الود القائمة في السياسة بين مملكة آل سعود وإسرائيل وإدارة ترامب تعكس إلى حد ما الأزمة التي تعيشها هذه الإدارة من ناحيتي الدعم الداخلي على المستوى الأميركي والدعم المالي وفي الوقت نفسه الفكر المتطرف والمتعجرف وهو بحد ذاته مؤشر سلبي جداً على إمكانية تبدل سياسة إدارة ترامب في المرحلة المقبلة الأمر الذي يفتح الباب إلى مزيد من التصعيد والمواجهة الدولية غير المحسوبة التوقعات.
لن تتراجع إدارة ترامب عن سياستها الصدامية إذا لم تلمس بشكل مباشر الضرر الذي تخلّفة هذه السياسة على المصالح الأميركية وإذا كانت القوى الدولية الأخرى تنتظر بعضها البعض لاتخاذ القرار بشكل منفرد فهذا يلبي هواجس واشنطن التي أعادت الزخم بقوة إلى مبدأ (فرق تسد) ليس فقط في آسيا وإفريقيا بل في أوروبا أيضاً.
صحيفة الثورة