ما الذي يدفع جزءا من الشعب اللبناني أن يستبدل صور زعمائه التقليديين بصورة “الخليفة” أبي بكر البغدادي؟ لا يوجد أي سبب سوى أن جيلا دخلته اللوثة عن بعد أن ظن أنها الخلاص، وإذا سألته عن الخلاص ممن؟ لا يعرف الإجابة، لكنه قد يتردد ليقول من حزب الله، علما أن هذا الحزب لا علاقة له لا من قريب أو بعيد بأي أمر يخص هذا الجيل المنقلب على زعمائه، بل هو بعيد عنهم بُعد الأرض عن السماء.
هو المتغير المتوقع الذي سوف نجده في كل مكان .. ففي حين يجتمع أهل الأرض لمقاتلة الظاهرة المجرمة الإرهابية “داعش”، ويحل وزير الخارجية الأميركي جون كيري ضيفا على المنطقة لهذه الغاية، نجد شبابا من المنطقة، جزءا من جيل يلتحف بصورة البغدادي. ثم هو المتغير الذي يرضي غرور شباب كل ظنونه أن الحياة وقف على هكذا تحول.
لافت أن ترى صور البغدادي ترفرف في سماء بعض الأماكن اللبنانية وقربها أعلامه. لو جاء أجنبي إلى لبنان وزار تلك الأماكن، لظن أنه في الأنبار أو في الموصل أو في دير الزور والرقة .. وإذا ما أضيف إلى ذلك بعض الشعارات التي كتبت على حيطان بعض كنائس مدينة طرابلس بشمال لبنان من أن “دولة الإسلام قادمة” لفتحت الشهية إلى أن ثمة من ينتظر دورا ليلعبه في ساحة فسيفسائية يصعب فيها اللعب، هو لبنان.
يعيش اللبنانيون على أخبار العسكريين الذين اختطفتهم قوى الظلامية “داعش” و”النصرة” وخصوصا بعدما تم ذبح اثنين منهم على الطريقة الداعشية. الحكومة اللبنانية محشورة أمام مطالب الداعشيين بإطلاق سراح إسلاميين من السجون اللبنانية .. إسلاميون هم الأخطر في تاريخ القوى تلك .. وأمام إصرار الحكومة على عدم المقايضة أو التنازل أمام مطالب الظلاميين، فإن السكين على رقبة العسكرييين، ويمكن لها أن تحز رقابهم واحدا إثر واحد مما قد يعرض الوضع اللبناني إلى خطر شديد.
الورطة اللبنانية عميقة، ولا أحد يمكنه لعب دور توفيقي .. ومع من يمكن التوفيق في المواقف .. مع ظلاميين .. مع إرهاب .. مع ذابحين ومجرمين؟ هي مأساة كيفما رأيتها ومن أية زاوية، وخصوصا على أهالي العسكريين وأقربائهم، هي فاجعة بالنسبة إليهم أن يروا ابنهم محمولا في كيس مقطوع الرأس. وقد كان شابا يلبس البذلة العسكرية، يتمخطر بها أمام جيله من الشباب، يذهب إلى الخطر ولا يخافه.
لا شك أن لبنان قد تأثر جدا بالدواعشية .. أليس هو من بلاد الشام؟ ألم يكن جزءا من التاريخ الواحد لهذه البلاد التي حملت أجمل الأسماء حين أطلقوا عليها الشام. اخترقت اللوثة عقول شباب، أصابتهم في أدمغتهم قشعريرة الغواية الداعشية فانطلقوا يعبرون عنها بما يوجبه التعبير الأمثل لها. من المؤسف أنه جيل يتعلم في المدارس وبعضه في الجامعات، ومع ذلك تخونه مواقعه الاجتماعية ليلبي نداء غريبا عن كل مظاهره الاجتماعية وليس له أية علاقة بها.
أعلام “داعش” ترتفع في بعض الأماكن اللبنانية وكذلك صور البغدادي، وتأثيره النفسي اخترق، هي الهشاشة سمحت، وحولت البعض من قوى ناصعة البصر والبصيرة إلى ظلام مطبق على القلب والعيون والعقول.
بقلم: زهير ماجد