دمشق-سانا
تنويعات فنية عديدة بنى عليها الفنان زيناتي قدسية عرضه الجديد “اكليل الدم” مراهناً على بطولة الممثل ولعبه المستمر وفق ميزانسين إخراجي محكم “إحكام اللقطة مع الأداء” استطاع عبره مخرج العرض وكاتبه تقديم ساعة وربع الساعة من عرض أخذ صيغة مسرحية موسيقية راقصة انتصر فيها الأداء الجماعي على الخشبة.
وقدم إكليل الدم الذي افتتح عروضه مساء أمس على مسرح الحمراء عودة للمسرح التجريبي السوري كفاتحة لموسم المسرح القومي بدمشق لموسم 2014-2015 حيث نجح قدسية في ابتكار فضاء لممثليه الثمانية مشاركاً لهم في الأداء عبر شخصية الكاهن الرائي ووفق تجاور نصي وفني مع رقص الباليه الذي قدمه كل من الراقصين مروى العيد وجمال تركماني مجسدين مفارقة بين الكابوس الذي تحياه شخصيات العرض وبين الحلم الذي رمز إليه مخرج العرض.
وتطرق العرض في مقولته إلى الإرهاب الدولي الذي تتعرض له سورية والعراق عبر حكاية تظهر عبرها شخوص العرض في مواجهة مباشرة مع مصير مجهول يضع الجميع أمام مسؤولياتهم التاريخية والأخلاقية في عدم التسليم بواقع الإرهاب ومن يروج له ومجابهة هذه الآفة بكل شجاعة وبسالة وبعيداً عن مهاترات التنظير والجدل والسجال الذي ليس منه فائدة لينتصر قدسية مجدداً لفن المسرح داخل المسرح.
وقال زيناتي قدسية في حديث خاص لسانا أنه عمل طويلاً على بنية نصية منفلتة للعرض بالمعنى الإيجابي للكلمة وبالتالي في مراحل التدريب تكتشف أنك تعمل في نوعٍ مسرحي سوف يؤدي بك إلى شكل محدد فرضته تفاصيل البنية النصية التي اعتمدت على الكتابة المتعددة الأصوات.
وأضاف مخرج العرض: أنا من الأشخاص المؤمنين أن الحكاية هي أساس الدراما كما كرستها التجربة الإنسانية لكن مع تجارب البشر وتنوعها وتبدل الأحوال والأزمنة اصبحت الحكاية ليست هي فقط روح وأصل الدراما بل أن المسرح بتجاربه المتنوعة وفي العصر الحالي بدأ يصنع عروض مسرحية لا تقوم على حكاية بمنطقها التقليد.
وأوضح الفنان قدسية أنه قد يكون هناك خيط بسيط لا يشكل حكاية بالمعنى التقليدي للكلمة لكن يشكل على الأقل مفتاح للدخول إلى بناء عالم سيشكل لاحقاً من اضطراد الحدث بنية ما وهذا ما حدث في “اكليل الدم” وبعد أربع سنوات من الحرب على سورية أردت أن أقدم إطلالة على مواطننا العربي..ما موقفه وما رأيه مما يجري في بلدان عربية تعرضت لموجات كبيرة من الإرهاب ولهذا أخذت عينة من كل مواطن عربي لم يستطع أن يغير شيء في واقعه وبالتالي نأوا بأنفسهم عن هذا الواقع.
ولفت قدسية إلى أن شخصيات العرض لها موقف من العدالة جسدتها عبر ضيف يقوم بزيارتهم لكن هو الآخر ينأى بنفسه حيث يتكشف للمشاهد أن هذا الضيف هو أيضاً لديه الكثير من الآثام ورغبةً منه أن ينظف ما في داخله من شرور كثيرة لكنه سرعان ما يكتشف أن هذه المجموعة من الأشخاص التي لجأ إليها في هذه المنطقة الجغرافية العجيبة الغريبة بعيدة عن الناس والبشر مما يزيد من ألمه وآثامه ليخرج في النهاية من المكان برمته.
وأوضح قدسية أن إكليل الدم اعتمد على أسلوب المسرح داخل المسرح الذي يعود إلى أسلوبية الإيطالي لويجي بيراندلو وهذا ما يعرض شخصيات العرض لتكون أمام خيارين لا ثالث لهما إما أن تكافحوا مع بلدانكم وإما أن تظلوا معزولين في المساحة التي اخترتموها كحيز ليأسكم وضعفكم وعدم قدرتكم على المواجهة وهذا ما سيعرضكم لسياسة جز الأعناق التي يتبعها الإرهاب الدولي.
وقال قدسية أنه يريد أن يقول من خلال العرض ودون تنظير: أنا عاتب كثيراً على العرب أنظمة وحكومات وشعوب الذين أخذوا المساحة الرمادية والذين يتحفظون على هذا الفعل أو ذاك وخاصة في مواقفهم مع القوى التي تحالفت مع الإرهاب لقتل السوريين والعراقيين موضحا أن العرض في نهاية المطاف يضع المشاهد أمام خيارين.. إما ان تكون مع وطن مرفوع أو مقطوع الرأس.
وأوضح صاحب مسرحية “القايمة” أنه لم يلجأ في المسرح إلى المباشرة لان لغة المسرح غير لغة التلفزيون الذي يلجأ إلى لغة واقعية وفجة سواء عبر دراما المسلسلات أو حتى عبر نشرات الأخبار والتحليل السياسي ولهذا بذل وقتاً وجهداً طويلاً لكتابة اكليل الدم وحتى في وقت البروفة أحب أن يرقص مع الممثلين وأن يغني معهم وهناك إشارات كثيرة استخدمها في العرض لها مرجعية في الوجدان الجمعي فالمسرحي لا يحتاج إلى مشهد واقعي كي توصل الفكرة للجمهور على العكس تماماً فإشارة يد واحدة أو إيماءة قادرة أن تصل للمتفرج.
وأضاف قدسية إنه منذ أن بدأ الغرب والدول السابحة في فضائه بالترويج لمصطلح “الربيع العربي” شعرت أن هذا الأمر له علاقة مباشرة بالمسالة الفلسطينية فأثبتت التجربة خلال خمس سنوات أن كل ما جرى وسيجري له علاقة بتدمير القضية الفلسطينية وتدمير حق اللاجئين الفلسطينيين وصولاً إلى وهم “الدولة اليهودية” لا كدولة فقط مقبولة في النسيج العربي بل أن تكون على سلم الأولويات.
يذكر أن عرض اكليل الدم من إنتاج وزارة الثقافة مديرية المسارح والموسيقا المسرح القومي ومن تمثيل كل من الفنانين.. أسامة التيناوي..قصي قدسية..رائد مشرف..أسامة جنيد..خلدون قاروط..فادي الحموي..زهير البقاعي..سامر الجندي..جمال التركماني..مروى العيد..زيناتي قدسية.
والديكور من تصميم الفنان زهير العربي فيما صمم الإضاءة كل من الفنانين نصر سفر وبسام حميدي وأزياء هشام عرابي، تصميم حركة ورقصات الفنان جمال تركماني مخرجة مساعدة سهير برهوم.. مساعد مخرج الفنان نوفل حسين والعرض مستمر يومياً الساعة الخامسة مساء عدا الجمعة على مسرح الحمراء حتى الخامس عشر من أيلول الجاري والدعوة عامة.
سامر إسماعيل