منذ بداية الأزمة السورية، ولم تكن حقيقة العدوان الإرهابي عليها قد ظهرت بعد، لم تخف «إسرائيل» دعمها القوي لمشروع إسقاط الدولة الوطنية السورية. فلما ظهرت تلك الحقيقة، لم يتردد كيان العدو، على لسان أكثر من مسؤول صهيوني، في إعلان تفضيله «القاعدة» على «النظام السوري». ولم يكن ذلك كلاماً تكتيكياً، بقدر ماكان تعبيراً عن الاستراتيجية الغربية عموماً، والأمريكية على وجه الخصوص، في الموضوع السوري، والمتمثلة بدعم الإرهاب دعماً حقيقياً، لم تكن أكذوبة «المعارضة المعتدلة» التي لفقتها الإدارة الأمريكية إلاّ ذريعة بائسة ومفضوحة للتغطية عليه. ومازال دعم الإرهاب إقليمياً ودولياً في سورية مستمراً حتى بعد صدور القرار 2701 الذي يُفترض أنه وضع حداً له، سواءً كان دعماً مالياً أو عسكرياً أو لوجستياً أو تكنولوجياً، مما يؤكد عدم حدوث أي تغيير جوهري في الاستراتيجية الغربية رغم كل الجعجعة التي نسمعها. ولا يغير من ذلك، التدخل الأمريكي ضد «داعش» في العراق، لأن هذا التدخل لم يأت تنفيذاً لموقف مبدئي من ذلك التنظيم الإرهابي، بل أتى في إطار الابتزاز السياسي، والدفاع عن المصالح الأمريكية والصهيونية في العراق.
ولو كانت الولايات المتحدة جادة فعلاً في محاربة الإرهاب، لما غضت الطرف عنه في سورية، ولما استبعدت دمشق من الائتلاف الدولي الذي تعمل على تشكيله ضد «داعش»، رغم علمها أن الحرب على الإرهاب لن تكون ناجعة مالم تتم بالشراكة مع سورية، وبالاستفادة من خبرتها العسكرية والأمنية الكبيرة في هذا المجال…
حقيقة الأمر هي أن الإرهاب خيار أمريكي استراتيجي، ليس فقط لأنه يخدم مصالح «إسرائيل» التي تحمي الإرهابيين وتخصهم برعاية فائقة وتفتح للمصابين منهم مشافيها على مصاريعها، بل لأنه الأداة المثلى لتحقيق الأهداف الجيوسياسية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم أيضاً.
وفي سبيل مصالحها ومصالح ربيبتها «إسرائيل»، يبدو أن الولايات المتحدة مستعدة للصبر على أفعال «داعش» الإجرامية، بما فيها ذبح الصحفيين الأمريكيين. ففي حسابات الربح والخسارة، تستطيع واشنطن التضحية ليس بالمبادئ فقط، بل ببعض التابعين لها من القوى الرجعية العربية أيضاً، وحتى ببعض مواطنيها، وتقديمهم لقمة سائغة للوحش الإرهابي، مادامت ستحقق ماتعتقد أنه انتصار حاسم في الصراع الدولي على تقرير مستقبل العالم. وهذا هو منتهى الانحطاط الأخلاقي للسياسة الأمريكية التي لا يبدو أنها قادرة، مع ذلك، على الاستمرار طويلاً في التعامل بهذه الخفة مع الخطر الداعشي، في ظل تنامي الرأي العام الأمريكي والدولي عموماً ضده، فضلاً عن بداية ظهور تفاهمات إقليمية جديدة محكومة بضرورة مواجهة ذلك الخطر المشترك رغم شدة الخلافات السياسية والأيديولوجية بين أطرافها.
بقلم: محمد كنايسي