ما إن صدر القرار الدولي «2170» بشأن مكافحة إرهاب تنظيم «دولة العراق والشام» و«جبهة النصرة»، حتى بدأت حرب المتناقضات من حيث التصريحات والمضامين بين شدّ وجذب، على نحو يعني بالمجمل، سعي تلك الدول الغربية إلى البحث عن حلول لضرب هذين التنظيميين الإرهابيين والتخلص منهما.. مع أن خفايا الكثير من التصريحات تحمل في بواطنها قلقاً مما تخبِّئه هذه الدول تحت ستار مكافحة الإرهاب، استناداً إلى التصريحات التي أطلقها زعماء الغرب وحلفاؤه الذين يقفون، جملة وتفصيلاً، وراء صدور مثل هذا القرار الذي رحّبت به سورية، على أن يتم تطبيقه في ما يخصّها بالتنسيق معها، على اعتبار أنها دولة ذات سيادة، وإلا سيكون تنفيذه عدواناً إذا ما تجرأت الطائرات الأمريكية على ضرب العمق «الداعشي» في سورية من دون هذا التنسيق مع الدولة السورية.
فما معنى أن يعلن وزير الخارجية الأمريكية جون كيري أنه على أمريكا دعم القوى العراقية و«المعارضة المعتدلة!!» في سورية بمواجهة ما يسمى تنظيم «دولة العراق الشام»، وأنه سيسعى إلى كسب دعم الحلفاء الأوروبيين خلال قمة «ناتو» المقبلة التي ستنعقد في ويلز أوائل أيلول المقبل، وأنه سيزور بعدها منطقة الشرق الأوسط؟
وما معنى أن ترفع بريطانيا حالة التأهب القصوى باتخاذ إجراءات للتعامل مع التهديدات الإرهابية المتنامية التي تواجهها، تحت مسمّى أن بريطانيا تواجه تهديداً حقيقياً وجدياً من الإرهاب الدولي، في الوقت الذي يؤكد فيه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، أن ما لايقل عن 500 بريطاني سافروا إلى سورية للمشاركة في القتال هناك، وأن تنظيم «داعش» يمثل تهديداً للأمن القومي البريطاني بشكل أكبر وأعمق مما خبرته بريطانيا في السابق ؟.
وما معنى إعلان تكلفة العمليات العسكرية الأمريكية في العراق التي تعد فاتورةً صغيرةً نسبياً قياساً بما ينفق في أفغانستان حسب البنتاغون، ولاسيما إذا عرفنا أن مخدرات أفغانستان تسوّق وتباع برعاية أمريكية، مثلما يباع النفط والغاز اللذين استولت عليهما «داعش»، على مبدأ من «العبّ إلى الجيبة» والحال واحدة؟.
ثمة أمور كثيرة، لا تأخذ في الحسبان، عند روايتها، والتعليق عليها، والتصريح بشأنها، أن المجتمع الغربي الرسمي يدخل في دوامة سيناريو جديد، لخلق ترسيمة جديدة للمنطقة، ما استطاعت دول الغرب أن تحصل عليها منذ بدء الحرب على سورية، وقبلها العراق، وإنما استطاعت أن تخلق الفوضى التي صنعتها «داعش» في المنطقة، وهي على علم ودراية بما تفعل، لأن الأمر في النتيجة يخضع للتحليل العقلي، وهذا الأمر تعيه شعوب العالم، بينما الحكومات الغربية لا تزال تتطلع إلى المريخ والفضاء باحثةً عن الحلول، علماً أنه إذا ما أرادتها حلولاً حقيقيةً وجديةً فعلاً ستجدها أمامها.
الدولة السورية، أكدت مراراً، وتكراراً، أنه ليس مطلوباً من الدول الغربية، إلا السعي حثيثاً إلى قطع التمويل، والإمداد، والرعاية عن الإرهابيين، ومحاسبة الدول المولدة للإرهاب والراعية والحاضنة له وتنبيهها، ومساءلتها للتخلص جدياً من خطر الإرهاب العالمي الذي بات لا يهدّد دول المنطقة فحسب، بل يهدّد العالم الغربي، ويتركه لقمةً سائغة في فم الإرهاب التكفيري الإقصائي.. وهي تتكفّل -أي سورية- بضرب عمق العمق الذي تنتشر فيه هذه القوى الظلامية الداعشية.. وإذا لم تتم مكافحته على هذا النحو، فالمعنى عندها سيكون أن ثمة نيّات استعمارية تعمل لترسيم أرض جديدة، بقرارٍ سمّوه دولياً، سيكون قراراً عدوانياً بامتياز إذا جرت محاولة تنفيذه بأبعاد صهيونية بحته في ظلّ هذا الصخب المدروس من الإرهاب الداعشي المصنّع في مطابخهم!!
يقلم د. رغداء مارديني