الشريط الإخباري

الاستفاقة الأممية وفروضها الانتقائية ..!!

استفاقت الأمم المتحدة حين لا تنفع الاستفاقة، وأبدت حماسة عندما لا تفيد الحماسة في شيء، وإن ظلت حتى اللحظة تكتفي بإحصاء انتقائي لبعض ما يطفو من جرائم التنظيمات الإرهابية في سورية، حيث ما ارتكبته تلك التنظيمات ليس وليد اللحظة، ولا هو مقتصراً على ما تتداوله سجلات المنظمة الدولية وتقارير موظفيها الانتقائية والجزئية.‏

والواضح أن الاستفاضة في الحديث الأممي عن تلك الجرائم لا يعكس بالضرورة رغبة حقيقية في التقصي والاستقصاء، بقدر ما يعكس محاولة استدراك متأخرة، للاغتسال مما علق نتيجة تقاعس الأمم المتحدة على مدى ثلاث سنوات ونيف عن القيام بمسؤولياتها، والتغاضي عن مئات الحالات الموثقة في السجل الدولي عن الفظائع التي ارتكبتها التنظيمات الإرهابية بتعدد تسمياتها واشتقاقاتها بحق السوريين مدنيين وعسكريين، ولديها ما يكفي من الأدلة والقرائن التي زودتها بها الحكومة السورية على مدى أكثر من أربعين شهراً خلت.‏

والسؤال غير البريء: لماذا تحركت الأمم المتحدة الآن وبات صوتها يعلو في غير موقعه، فيما يخبو حيث يجب، وكيف لها أن تسوغ أسباب صمتها المريب طوال الفترة تلك؟!‏

في المبدأ، نستطيع أن نجزم أن الحراك المتأخر أفضل من استمرار الصمت، لكن القضية ليست هنا، ولا هي في الأحاديث الممجوجة للمسؤولين الأمميين الذين خرجوا دفعة واحدة عن صمتهم، وانطلقت ألسنتهم المعقودة من عقالها، بل بدت في تقاريرهم المحشوة بالكثير من اللغو الإضافي وفي الوقت البدل من الضائع، والتي تتماشى أو تتطابق مع موجة الهلع الغربي المفتعل.‏

وفي جوهر الحقيقة.. لا نعتقد أن هناك تجنياً في الحديث عن دور الأمم المتحدة، وهي التي بالغت في تغييب دورها واندماجه كلياً وفق المشيئة الغربية، حتى لم يلحظ أحد وجوده إلا وفق المساحة التي رسمتها الهيمنة الأميركية مسبقاً، وهو ما ينسحب على كامل وجودها في سياق التوكيلات الممنوحة لها، وحتى الخروج الفظ على ميثاقها من قبل الكثير من الدول الغربية والإقليمية تعاطت معه المنظمة الدولية بكثير من اللامبالاة واللامسؤولية.‏

في التحرك الحالي لا تبدو المسألة مختلفة، وان انطوت على أبعاد أخرى، وهي تحاكي العدوى الغربية وتتقاطع في الكثير من تفاصيلها مع الاستنفار الغربي لاستدراك ما يمكن استدراكه، في وقت بدأ الإرهاب يطرق الأبواب الغربية، وبعضه تسلل إلى داخل البيت الغربي من بوابات كانت في العادة تفتح في اتجاه واحد، أو تم التخطيط لها لتسمح بالخروج ولا تبيح العودة تحت أي ظرف.‏

المفارقة في المشهد لا تقتصر على ما تحاول المنظمة الدولية ممارسته من فرض كفاية، حين تكتفي بما يأتي وتغمض العين عما مضى وذهب، دون أن تنظر إلى ما تراكم في أدراجها المغلقة، وتعتبر كل ما ورد في السابق وما حصل يندرج في صفحات الدفاتر القديمة التي اعتادت الهروب من تبعات فتحها، وهي في نهاية المطاف لا تبتعد عن الحالة الملتبسة للدور الأممي، خصوصاً حين تختصر حضورها في التركيز الممنهج على جانب من التنظيمات الإرهابية، والمحاولة غير البريئة لتبييض صفحة التنظيمات الأخرى التي لا تقل خطورة عن داعش والنصرة، ولا تختلف عنها في شيء.‏

القضية ليست في تسطير التقارير، ولا في الحديث المسهب عن بعض جرائم داعش المنتقاة، بل في تلك الانتقائية، إذ يظل السؤال: ماذا عن جرائم التنظيمات الإرهابية الموازية لها، وماذا عن الدول التي رعتها ومولتها، ولا تزال تحتضنها وتصرّ على خرق القرار الدولي علانية وجهاراً وفي وضح النهار؟!‏

الإجابة مؤجلة حتى إشعار آخر، وتبقى المنظمة الدولية حتى ذلك الحين موضع الاتهام الصريح، وإن كانت حتى اللحظة غير معنية إلا بما زرعته فيها حالة النفاق الغربي، فيما فروضها الانتقائية فصول إضافية في حصيلة مريرة من تراكم الخلل في ميزان المسار الأممي.‏

بقلم: علي قاسم