لم تكبح “إسرائيل” من جماح الحمم الملتهبة المصبوبة على أبرياء غزة، وهي تطلق ما يشبه التوسلات المغلّفة بصيغة إعلان الاستعداد للتهدئة والتفاوض فيما لو طلب “الأصدقاء” ذلك!!.
ولم يتردد بنيامين نتنياهو في وصف من يسعى للتفاوض معهم بـ”المرتزقة” وتشبيههم بـ”داعش والنصرة” متكئاً على “تأييد حكومات عربية” لكيانه في مأزقه الرّاهن، ساقطاً في مستنقعٍ آسن من التناقض وهو يحاول استثمار الموقف الأممي الجديد المناهض للتنظيمات الإرهابية، وتحويل نظرة الرأي العام العالمي إلى قوة الردع الفلسطينية، من مقاومة لمحتل إلى معتدية عليه!.
إلّا أن اللافت هنا ليس ضروب الصفاقة الإسرائيلية، بل التماهي مع ما يشبهها في نهج التعاطي الأميركي مع المتغيرات الجارية في المنطقة تحت عنوان الحرب على إرهاب النصرة وداعش، فإن حاولت الأولى تجيير المقاومة إلى إرهاب، قد لن تتأخر الثانية بإخراج من يكافحون الإرهاب في بلدانهم بهيئة “إرهابيين” تجب مكافحتهم، وهذا بات مثار تحليلات وتحذيرات متوالية أطلقتها بيوت خبرة سياسية وجهات أكاديمية.
فـ”إسرائيل” تحاول تشبيه المقاومة بمرتزقة احتضنتهم ودعمتهم على الملأ، كما تحاول استدراج الكون للتعاطف معها، دون أن يمر الزمن الكافي لينسى كل من رأى أن نتنياهو تورط في قرينة إدانة دامغة أمام كاميرات تلفزة نقلت مشاهد زيارته إلى المستشفيات التي يُستطب فيها جرحى المرتزقة الفارين من ضربات الجيش العربي السوري، ليبدو الآن حديثه عن الإرهاب كفحيح الأفاعي أو نعيق البوم.
وعلى الخط” المفخخ” ذاته تجتهد الولايات المتحدة الأمريكية هذه الأيام في إعلان براءتها من داعش، على إيقاع اعترافات مباشرة من رئيسة دبلوماسيتها السابقة بـ”جرم” التأسيس والدعم، وهاهي تنشغل بحركات بهلوانية على أرض وأجواء العراق تحت عنوان ضرب الإرهاب، والعالم يراقب مجريات أكبر مسرحيات كذب ونفاق سياسي وعسكري، لم تأبه لتساؤلات المتسائلين عن نتائج المواجهة، وكم عدد القتلى التي حصدتهم غارات مزعومة أعمت الدنيا بالغبار وروائح البارود!.
لا نعتقد أن علينا التصفيق لإسرائيل، وهي تعلن مناهضتها الجديدة للإرهاب، لكن ثمة من يصفق لها في أروقة السلطات العربية وهي تتشفى من أطفال غزة، وتدفن “براعم” المقاومة في المهد، كما صفقوا لها وهي تصافح من أرسلوهم لتقويض سورية، راعية المقاومة ورائدة الممانعة!.
كما لا نعتقد أن علينا التصفيق لـ “فرقعات” كذب الأمريكيين، حتى ولو سمعنا أزيز رصاصهم وعاينا تحليق طيرانهم، وتعاطفنا مع مواطنهم الصحفي جيمس فولي وهو يُذبح بمدية إرهابي داعشي، فرصاصهم خلبي، وطيرانهم ليس لضرب الإرهاب، بل لنقل السلاح الكافي لصد احتمالات تقدّم الجيش العراقي يوماً نحو إقليم الشمال، الذي تبلور انفصاله تماماً، وحتى مشهد ذبح الصحفي قيل أنه مُدبلج بخدعة تصويرية على طريقة أفلام هوليود، فلماذا التصفيق إذن؟!.
أيّ داعشٍ هذا يتحدى العالم وينتشر كالنار في الهشيم رغم الائتلاف الكوني ضده، لو لم يكن أمريكياً بلبوس تكفيري، تجري مزاعم إعدامه لدعمه، ومحاربته لمحاباته؟!.
واستطراداً نتوقع.. أن مشاهد “انشقاق” العناصر المختطفين من الجيش اللبناني في عرسال لم تكن إلّا مقدمات لسيناريوهات قادمة ضد المقاومة والجيش في لبنان، والفاعل خلايا داعش المزروعة حيث تشتهي رياح المصالح الإسرائيلية والأمريكية، كما في العراق وسورية ولاحقاً في الأردن، ومن يدري فربما تعلن عصابات داعش عن عملية خلبية ضد الكيان الصهيوني في الأرض المحتلة لتوريط المقاومة هناك، وتشويه صورتها وتسويغ مكافحتها، وبالطائرات الأمريكية، التي أعلنت جهوزيتها لمكافحة “الإرهاب”.
ليبقى تفسير المصطلح المهمة المحفوفة بالمخاطر، وحل ألغاز داعش رهن إفراج الإدارة الأمريكية عن الحقائق، وهذا يتطلب الجلوس في غرف الانتظار لثلاثين عاماً وفق مقتضيات قوانين رعاة البقر!.
بقلم: ناظم عيد