دمشق-سانا
حظيت ترجمة الأدب الفارسي إلى اللغة العربية بمكانة متقدمة لدى المترجمين من الناطقين بالضاد على مر العصور لأن الحضارة الفارسية كانت أول من احتك بها العرب خارج جزيرتهم ولقوة التواصل بين الحضارتين حيث استخدم الإيرانيون الأحرف العربية في كتابة لغتهم الى جانب تبادل آلاف المصطلحات بين اللغتين.
وترى أريج الحمود وهي إحدى المشتغلين في الترجمة من وإلى الفارسية أن هناك العديد من القواسم التي تجمع بين هذه اللغة ولغة الضاد من القرآن الكريم والحديث النبوي والاقتباس المتبادل من القوالب اللغوية فضلاً عن استبدال بعض المصطلحات بما يوازيها معنى ولفظاً.
وتقول الحمود .. “هنالك تفاعل أدبي كبير بين العربية والفارسية يأخذ شكل الأخذ والعطاء والتأثير والتأثر وهو نتاج الالتقاء الحضاري واللغوي والبلاغي والأسلوبي والفني بين الثقافتين”.
وتوضح الحمود .. “يشترك الأدبان العربي والفارسي بالعديد من القواسم ففي نظم الشعر هنالك قصائد تعرف لدينا بالمزدوج هي ذاتها شعر المثنوي عند الفرس كما أن الرباعيات عندهم أيضاً هي شبيهة بالمشاطرات والمربعات والمخمسات عندنا”.
ولا يقتصر التقارب بين الأدبين على الشعر بل يذهب إلى فلسفة اللغة وأجناس أدبية أوسع كما تبين الحمود حيث تقول “يعتمد اللغويون العرب في دراسة العلاقات بين الحروف على التجانس المطلق والذي يطلق عليه البلاغيون الفرس /المتشابه/ وكان العلامة اللغوي الفارسي رشيد الدين البلخي من أوائل من وضعوا أسس البلاغة في كتابه /حدائق السحر في دقائق الشعر/” مشيرة إلى وجود الكثير من القواسم المشتركة كالألفاظ والمصطلحات والأساليب والاقتباس الحرفي والأوزان والقافية والقصة والتي تمثل ملامح مشتركة في الأدبين فضلا عما يعرف أدبيا بالملمعات وهو المزاوجة بين اللغتين في نظم القصيدة.
ولفتت الحمود إلى كتاب كليلة ودمنة الذي نقله إلى العربية عبد الله ابن المقفع والذي كان أول حلقات التواصل الثقافي بين العرب والفرس حيث استمر تأثر الناطقين بالضاد بهذا الكتاب حتى العصر الحديث معتبرة أن الأدب الفارسي من أجمل وأكمل الآداب في العالم ولديه روائع أدبية كثيرة كالشاهنامة للفردوسي ومثنوي معنوي لجلال الدين الرومي وقصائد الرثاء التي نظمها سعدي الشيرازي بالعربية لمدينة بغداد بعد تخريبها على يد المغول ورباعيات الخيام التي ترجمت للعربية أكثر من مرة حيث يلاحظ الدارس تأثر الشاعرين أبي العلاء المعري وإيليا أبو ماضي والمعري بعمر الخيام.
وتشير الحمود إلى عمق دخول الصوفية إلى الأدب الفارسي والتي باتت سمة رئيسية في هذا الأدب بعد دخول دين الإسلام إلى إيران وتقول “يتجلى صنوف التعبير عن العشق الإلهي في كل الأجناس الأدبية الإيرانية بدءا من الشاعرين الشيرازيين حافظ وسعدي إلى الشعر الحديث والمعاصر عند سهراب سپهري وتقي متقي و پروين اعتصامي وهوشنگ ابتهاج الذي يتميز برمزية المعنى ورقة الصورة”.
وتعتبر الحمود أن الترجمة إحدى أهم وسائل المثاقفة بين الأمم والشعوب والتفاعل فيما بينها وإثراء الفكر ووسيلة تتيح للأدباء والباحثين والشعراء الاطلاع على ثقافة الشعوب ما يزيد في إبداعاتهم علوا وارتقاء لافتة إلى أن المؤرخين والأدباء والفقهاء واللغويين من الفرس نظروا للثقافة العربية على أنها مثلهم الأعلى باعتبارها لغة القرآن الكريم وسخروا كل ما لديهم من إمكانات وعلوم لأجلها.
يشار إلى أن أريج الحمود حاصلة على إجازة في الأدب الفارسي من جامعة دمشق وتعمل حاليا مترجمة في المستشارية الثقافية الإيرانية حيث نقلت العديد من النصوص والقطع الأدبية من الفارسية للعربية وبالعكس إضافة إلى كتابتها للشعر حيث شاركت في أمسيات ولقاءات أدبية.
محمد خالد الخضر