الصمود الفلسطيني ومأزق العدو

لم يستطع الكيان الصهيوني، رغم وقوف بعض الأنظمة العربيّة المتصهينة في صفّه، أن يفرض إرادته على الفلسطينيين في مفاوضات القاهرة، فاستأنف ارتكاب مجازره الإرهابيّة المروّعة بحقِّ الشعب الفلسطيني في غزّة، بالرغم من إدراكه أنَّ ذلك لن ينال كثيراً أو قليلاً من صمود الفلسطينيين في المعركة السياسية.

ويبدو أنَّ رئيس وزراء العدو المجرم نتنياهو يتخبّط في مأزقٍ سياسيّ حقيقي، فهو دخل المفاوضات متوهماً أنَّه سيحقق بالسياسة ما عجز عن تحقيقه بالعدوان العسكري، فإذا به يصطدم بإصرار الفلسطينيين على موقفهم، وتمسّكهم بمطالبهم المحقّة والمحصّنة بدماء أكثر من ألفي شهيد وأكثر من عشرة آلاف جريح فلسطيني، ولا يجد أمامه من مخرج سوى العودة الى قتل نساء غزّة وأطفالها، في سلوك إجرامي نمطي يجسّد الطبيعة العدوانية الإرهابية لكيانه من جهة، ويعكس مدى خيبته وتخبّطه السياسي الواضح من جهة أخرى.

وجاء رد المقاومة الفلسطينية التي لم تتأخر صواريخها وقذائفها عن ضرب الصهاينة ضربات موجعة، لتفاقم صعوبة مأزقه وتزيد من تخبّطه. ذلك أن استئناف العدوان الصهيوني لم ينجح إلا في رفع عدد الشهداء والجرحى والبيوت المهدّمة في غزّة، لكنَّه لم ولن يغيّر شيئاً في المعادلة التي تُظهر حقيقة عجز كيان العدو عن تحقيق أيّ من أهدافه السياسية. ولن تستطيع فظاعة الجرائم ضد الإنسانية التي عاد الصهاينة الى ارتكابها في غزّة أن تخفي حقيقة أنَّهم يقفون بلا حيلة في مواجهة صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته، وأنَّهم يعوّلون أكثر فأكثر على دور حلفائهم الدوليين والإقليميين ولاسيّما دول الرجعية العربية لكسر شوكة ذلك الصمود الذي أبدى أصحابه قدرة دبلوماسية فائقة في التصدي لذلك الدور حتى الآن.

هو إذن هروب صهيوني مؤقّت ومغطى بأزيز طائرات الإرهاب الصهيوني القاتلة، من المعركة السياسيّة، في انتظار نجدة الحلفاء والعملاء، فالمعركة لم تنتهِ، وهي تُخاض الآن في السر تمهيداً لعودة كيان العدو الى المفاوضات. ومن المؤكد أنَّ الجولة الثانية من المعركة ستكون أقسى وأصعب على الفلسطينيين الذين لا يملكون إلا خيار الصمود فيها، والخروج بنتيجة، أضعف الايمان ألّا تخيّب آمال الشعب الفلسطيني الصامد ومعه جماهير الأمة وقواها المقاومة.

إنَّه واحد من التحديات التاريخية الكبرى التي تواجهها القضيّة الفلسطينيّة، ولا شكّ أنَّ الفلسطينيين يقفون اليوم في مواجهة أعتى قوى الشرّ في العالم، وينوؤون بحمل أثقال خيانة وتآمر القريب قبل عدوان وغطرسة البعيد، لكن معجزة الصمود العسكري التي اجترحوها في غزّة مؤشر على أنَّهم قادرون، بوحدة الموقف، وقوة الإرادة، ودعم عرب المقاومة والأصدقاء، على اجتراح معجزة الصمود في المعركة السياسيّة أيضاً.

بقلم: محمد كنايسي