لا تترك التصريحات الأميركية الأخيرة حول تطورات الحرب الإرهابية على سورية والعلاقة الروسية الأميركية في هذا الشأن مجالاً للتوقع بحدوث تحول جذري في سياسة إدارة اوباما تجاه الوضع في سورية، وخاصة ما يشاع عن تدخل أميركي مباشر على الأرض السورية على الأقل في الأشهر الستة القادمة.
كل التصريحات الأميركية، وان اختلفت في طريقة العرض والوضوح أو الغموض، تتفق على عدم وجود رغبة أو نية لدى إدارة اوباما بالحرب في سورية، ويوضحون أسباب ذلك كل يوم، وفي مقدمتها غياب القرار الجماعي ووضع الجيش الأميركي، والأهم من ذلك هو عدم ضمان النتائج المرجوة من اتخاذ أي قرار من هذا النوع.
بالتأكيد لا يهم الولايات المتحدة النتائج الكارثية لأي حرب في حال ضمنت النتائج، وانطلاقاً من ذلك لا يأتي تشكيك وزير الخارجية الأميركي جون كيري بجدوى انخراط واشنطن بالحرب في سورية وأنه سيؤدي إلى نتائج عكسية وزيادة سقف المراهنات من منطلق الحرص على الشعب السوري أو «المعارضة المسلحة المعتدلة» بل من قناعة أميركية بأن الدخول في مثل هكذا خيار سيكون له عواقب وخيمة على الولايات المتحدة بالدرجة الأولى وحلفاء وأدوات أميركا بالدرجة الثانية.
إن التحليل الموضوعي للموقف الأميركي ومحاولات ابتزاز روسيا والضغط عليها، يكشف السعي لتحسين الشروط التفاوضية والمكاسب التي يمكن أن تحققها واشنطن لأدواتها في الحل السياسي، وإن هذه الضوضاء الناجمة عن كم هائل من التصريحات الأميركية المتناقضة في الشكل والمتفقة على استبعاد الخيار العسكري في سورية، على الأقل في فترة إدارة أوباما، تصب في محاولة واشنطن التملص من الاتفاق الموقع مع روسيا، وتوقيع آخر جديد يحسن من الأداء السياسي لأدوات أميركا على طاولة التفاوض السورية التي ستفرد مهما طال الزمن.
لا شك أن الوصول إلى هذا الاستنتاج لا يعني أن واشنطن لا يمكنها أن تلجأ إلى خيارات جزئية أو نوعية معظمها يتجلى بضخ المزيد من الأموال والسلاح إلى التنظيمات الإرهابية عبر الحدود التركية، وربما هو ما تفعله واشنطن في محاولة منها لوقف تقدم الجيش العربي السوري الذي يقدم تضحيات كبيرة ليخلص المدنيين في الأحياء الشرقية بحلب من براثن «جبهة النصرة» وأتباعها «معارضة واشنطن المعتدلة».
ولم يعد بإمكان واشنطن نكران دعمها لـ«جبهة النصرة» والتعويل عليها في تحقيق ما عجزت عنه التنظيمات الإرهابية الأخرى، وعلى ما يبدو أن إدارة أوباما لن يكون بوسعها بعد اليوم نكران علاقتها بـ((جبهة النصرة)) وخاصة مع اعتراف لبنتاغون بعدم استهداف مواقعها بزعم قربها من «المعارضة المعتدلة».
الأيام القريبة القادمة ستكشف نوايا الإدارة الأميركية سواء من حيث تكوين أرضية مع روسيا تؤسس لحل سياسي في سورية ملزم للإدارة القادمة أم لجهة المماطلة في ذلك وصولاً لتسليم الإدارة القادمة هذا الملف بأقل الخسائر السياسية والميدانية.
على الأرض ليس هناك من قوة قادرة على منع الدولة السورية وجيشها من مواجهة التنظيمات الإرهابية واعادة الأمن والاستقرار إلى حلب، وكل المناطق السورية المكتوية بنار الإرهاب، وما يحققه هذا الجيش رغم الدعم الكبير للإرهابيين في حلب، يضرب في الصميم السياسيين الأميركيين الذين لم يحسموا أمرهم حتى الآن بين الحل السياسي والمماطلة في إنجازه.
صحيفة الثورة