غزة بعد العدوان تلملم جراحها وبحاجة إلى وقفة عربية-الوطن العمانية

كل الافتراض أن الهدنات في غزة قد أفضت إلى توقف تام لإطلاق النار، لكن ذلك لا يعني أن الحزن تلاشى، وأن نزيف الجرحى توقف، وكذلك عذاباتهم .. وما أظهره العدوان كبير وعميق، الدمار لا يحصى، والبحث عن مآوٍ يدل على صعوبة عيش كثيرين من الأهالي.

أكثر من أربعمئة طفل استشهدوا، ومثلهم جرحى يتأوهون، وبعضهم ينازع الموت .. فمن يحمي الطفولة الفلسطينية التي تدفع في كل عدوان أقسى ثمن؟ ومن يأمن لهذه الطفولة أملا، وهي التي تعيش سراب الأيام؟ ليس من طفولة معذبة كتلك التي عاشت أياما كارثية تحت حمم النار .. كأنما أراد الإسرائئلي القاتل تدمير غزة عن بكرة أبيها كي يضع الناس أمام السؤال الوحيد الذي سيوجه إلى القيادة الميدانية والسياسية: ماذا فعلتم بنا .. لكن الصهيوني تفاجأ بذلك الاحتضان الشعبي لمقاوميه المناضلين ولكل من حمل السلاح ولكل من دافع .. مشاهد لم تكن تخطر على بال أحد، فكلما سقط شهيد، كان أهله ينادون بمزيد من المقاومة، وكلما صرخ جريح كان كل من حواليه يشتد غضبًا ومقاومة.

رغم ذلك، لا بد من الاعتراف أننا أمام أزمة، فحجم الدمار الكبير يحتاج لإعادة بناء، وما من دولة أدت قسطها ولو كلامًا في هذا الصدد .. فمن يعيد غزة على الأقل إلى ما كانت عليه، بل من يسهم في رفع الأنقاض حيث الحاجة إلى معدات ضخمة وهي غير متوفرة في القطاع؟

صحيح أن الحياة عادت إلى سحرها الأول، لكن الجرح لم يندمل .. عشرات العائلات أو المئات خارج بيوتها فمن يسكنها .. أكثر من خمسة وأربعين ألف مسكن تم تدميرها كليا أو جزئيا، وليس هناك من يخرج لسانه ليعلن العزم على إعادة ما تهدم، في حين أنه ممنوع على الإسرائيلي المساهمة في البناء ـ كما أعلن ـ طالما أن له مقاييسه الأمنية التي يريد أن يسعى إليها ليكشف عن الواقع الغزاوي العسكري .. فمقاومو غزة لم يستعملوا من إمكاناتهم العسكرية سوى عشرة بالمئة فقط، الأمر الذي يحتاج لمزيد من السرية في التعامل مع الواقعية الغزاوية.

تحتاج غزة وبسرعة إلى فك الحصار من كل نواحيه كي تؤمن لقمة العيش وكل مستلزمات اليوميات الإنسانية .. كما تحتاج إلى إعادة وتيرة الكهرباء بعدما دمرها العدوان الإرهابي، وهي حاجة سريعة يمكن لها أن تؤمن عن طريق الربط المصري لو تم الاتفاق عليه. وهي أيضًا بحاجة للماء وكم قيل إن أسوأ مياه في العالم هي التي يضطر لشربها أهالي غزة .. وقبل هذا وذاك غزة بحاجة إلى أنسنة عالية كي تمسح دموعًا متراكمة من كثرة الشهداء الذين حملتهم إلى مقابرها. وبحاجة لزمن طويل كي تتمكن من نسيان الخوف والرعب، مع أن كثيرين يعتقدون أنه رغم شدة القصف والعدوان ظلت أعصاب الغزاويين على حالها.

تنتقل غزة إلى الهدوء، إذا افترضنا الهدنة الدائمة، وهذا يعني فتح المجتمع على مصراعيه أمام حملة عربية وإسلامية لإنجادها في شتى مطالبها. لسنا بصدد مناشدة المجتمع الدولي الذي ينظر بعين واحدة، بل المطلوب وقفة عربية تعيد لغزة المجروحة بعضًا مما خسرته، مع أنه كما نعلم قيل عن أموال عربية ستصل إليها في الماضي من أجل البناء لكنها لم تصل كالعادة.