استخدمت الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة المساعدات الإنسانية ذريعةً للتدخل المباشر في العديد من الدول وكانت الوسيلة الأفضل لها لإنجاز ذلك هي الأمم المتحدة بمؤسساتها المعنية بذلك.
في بداية الحرب الإرهابية على سورية عمدت الدول الغربية بزعامة واشنطن إلى فرض عقوبات قسرية بشكل تدريجي على الشعب والدولة السورية، ونصب عينيها تسخير ما يترتب إنسانياً عن ذلك واستثماره في تحقيق أجنداتها السياسية واللوجستية.
مع تصاعد الحرب الإرهابية على الشعب السوري اكتملت حزمة العقوبات القسرية الأوروبية والغربية على الشعب السوري متزامنةً مع استهداف البنية التحتية والاقتصادية من قبل التنظيمات الإرهابية ما أثر بشكلٍ كبيرٍ على العديد من القطاعات الخدمية، وتالياً على حياة السوريين جميعاً، الأمر الذي كانت تنتظره القوى الإقليمية والدولية الداعمة للتنظيمات الإرهابية في سورية.
إن مجمل المساعدات الخارجية بما فيها التي قدمتها الأمم المتحدة والدول الغربية وغيرها عدا روسيا إلى الشعب السوري داخل البلاد محدود جداً مقارنة بما تقدمه الحكومة السورية للنازحين بفعل الارهاب إلى المناطق الآمنة، وهذا دليل أكيد على النوايا الخبيثة لواشنطن وأدواتها من طرح الملف الإنساني اليوم بهذه القوة داخل مجلس الأمن و مؤسسات الأمم المتحدة الأخرى المعنية بهذا المجال.
إن أبعاد الضغوط الغربية على الدولة السورية بحجة الملف الإنساني والسعي لإسقاط هذه المساعدات جواً دون التنسيق مع الحكومة السورية لا تقتصر على التأثير السياسي في المحادثات السورية في جنيف، بل لها أبعاد مرتبطة بواقع الميدان،ومحاولة إيهام المجتمع الدولي بأن الحكومة السورية عاجزة عن توفير أو إيصال المساعدات إلى مستحقيها، وهو ما تركز عليه الحكومة السورية منذ بدء الأمم المتحدة بإرسال مساعدات إلى الشعب السوري.
لا شك أن تطورات الميدان والإنجازات التي يحققها الجيش العربي السوري بالتعاون مع روسيا الاتحادية والقوات الرديفة والتداخل الذي عززته واشنطن بين التنظيمات الإرهابية المدرجة على قوائم الأمم المتحدة والأخرى المسماة غربياً «المعارضة المسلحة المعتدلة» دفعت القوى الداعمة للإرهاب في سورية إلى التفكير مجدداً باستثمار الملف الإنساني لتقديم الدعم العسكري واللوجستي للتنظيمات الإرهابية.
ووفقاً لمصادر عسكرية روسية قامت طائرات أميركية بإلقاء أسلحة خفيفة ومتوسطة وذخيرة للتنظيمات الإرهابية في بلدة مارع بحجة مقاتلتها لتنظيم «داعش» الإرهابي، وهذا يكشف حقيقة النوايا الأمريكية و خطورة أي إجراء من شأنه السماح بإلقاء المساعدات الإنسانية في أي منطقة من سورية دون موافقة الحكومة السورية و التنسيق معها من أجل إيصال المساعدات إلى مستحقيها وليس للإرهابيين، ومنع استثمار ذلك لإسقاط الأسلحة والذخيرة إلى التنظيمات الإرهابية كما حصل في مارع مؤخراً.
إن الولايات المتحدة وأدواتها الأوروبيين والإقليميين يحاولون مد إرهابيي «داعش والنصرة» بالذخيرة والسلاح عبر الجو لتخفيف الضغوط عن تركيا التي تقوم بهذا الدور إلى اليوم، وذلك عبر التنظيمات الإرهابية الأخرى المسماة أميركياً «معارضة مسلحة معتدلة» التي تتقاسم المناطق والنفوذ والغنائم مع «النصرة وداعش» وخاصة في شمال وشمال شرق سورية، ولذلك صعدت من الحديث داخل أروقة الأمم المتحدة والإعلام الدولي لتكوين رأي عام يخدم توجهاتها وأهدافها من طرح الملف الإنساني.
ما يهم أميركا هو مصالحها ومشاريعها، ولو كانت مع القوى المتحالفة معها تهتم فعلاً بمأساة اللاجئين والنازحين السوريين جراء الإرهاب لكانت أولاً ساعدت أولئك الذين يعيشون في مخيمات وظروف صعبة جداً في الأردن وتركيا ولبنان، ومنعت مؤسسات هذه الدول من سرقة مساعدات الأمم المتحدة لهم، ولقامت أيضا بالتنسيق مع الجيش العربي السوري في مكافحة الإرهاب وضغطت على الدول الداعمة للتنظيمات الإرهابية لإيقاف دعمها وفرضت على تركيا إغلاق حدودها بوجه الإرهابيين القادمين للدخول إلى سورية، وأخيراً وليس آخراً إبطال مفعول العقوبات القسرية الجائرة على الشعب السوري وحكومته.
بقلم: أحمد ضوا