من بعد البرازيل؟-صحيفة الثورة

لم يتوقف قطار الثورات الملونة بعد، فاليوم في البرازيل وغداً هناك صيدٌ جديدٌ لمبتكري هذا النوع من الانقلابات الجديدة.

منذ اليوم الأول لتولي الرئيس البرازيلي السابق لولا دا سيلفا سدّة الرئاسة البرازيلية، والذي خطّ لبلاده سياسةً مستقلةً بدأ الاشتغال الأميركي على هذه الدولة التي نهضت صناعتُها خلال فترةٍ وجيزةٍ وأصبحت تنافس في الأسواق العالمية المنتجات الأميركية والغربية.‏

التدخلات الأميركية في الشؤونِ الداخليّةِ البرازيليةِ لم تتوقف للحظة واحدة عندما أدركت واشنطن أنّ البرازيلَ تخرج من الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، وأعذار التدخل الأميركية تبدأ من نقطةٍ ضعيفةٍ وتنتهي في قمةِ هرمِ السيادةِ الوطنيةِ، وبين النقطتين هناك الاقتصاد والسياسة وحقوق الإنسان والحريّات العامة وحقوق الأقليات وحقوق المثليين جنسياً والقائمة تطول، وكلّ ذلك اتهمت به حكومة حزب العمال البرازيلي منذ تسلمها السلطةَ في البلادِ بشكلٍ ديمقراطيٍّ.‏

كلّ الخوف ان تقع دول وشعوب أميركا اللاتينية بأخطاءِ دولِ وشعوبِ منطقتنا العربيةِ، والملاحظُ حتى الآن أن سيناريو “الربيع العربي” من الممكن إذا بقيت شعوب أميركا اللاتينية تتفرج على ما يحدث في البرازيل أن يتكرر ,و ربّما بأقلّ الخسائر للولايات المتحدة و أدواتها.‏

من المؤكد أنه لا يُخفى على أحد أنّ زعماء “الثورة البرازيلية الجدد” ترعاهم واشنطن وتدعمهم وتوفر لهم سبلَ التسلم الدرامي للسلطةِ بدلاً من حكومة الرئيسة الشرعية “ديلما روسيف” المقالة بتهم لم يتم إثباتها بعد، وها هو الرئيس الأميركي باراك أوباما مدعوما بالأمم المتحدة يدعو إلى”الهدوء واحترام المؤسسات في البرازيل” بعد أن سيطر حلفاءُ بلادهِ على السلطة بإحدى طرق الثورات الملونةِ.‏

لا شك أنّ القوى الدولية الكبرى كالصين وروسيا تراقبان عن كثب ما يحصل في البرازيل الشريكة لهما في تجمع “البريكس” وتدركان أن الاستراتيجية الأميركية تستهدفهما في نهاية المطاف إضافة الى “جنوب إفريقيا والهند” وذلك لسعيهم لبناء عالمٍ جديدٍ يطوي صفحةَ الهيمنة والتفرّد الأميركي.‏

لقد أدركت واشنطن أنّها عاجزةٌ عن مواجهة الصين وروسيا بالطرق التقليدية القديمة، واختارت طريقاً طويلاً عمادُه هزيمةُ القوى التي تساندُ أو تؤيدُ محور “بريكس”، أملا في نهاية المطاف بالوصول إلى إعلان الثورةِ البرتقاليّةِ في بكين وموسكو.‏

إنّ الطبيعةَ العدوانيّةَ التي تحكم سياسةَ الولايات المتحدة التي ترفضُ مشاركتها في إدارة العالم، تضع البشرية من جديد أمام تحدٍّ خطيرٍ ظهرت ملامحُه في الثوراتِ الملونةِ التي وصلت الى حدودِ روسيا والتحرشات العسكرية في أوروبا الشرقية والسواحل الصينية على المحيط الهادئ الأمر الذي يهدد بنشوب حروب وصراعات جديدة قد تنتهي بحرب عالمية ثالثة لن تكون كسابقاتها بالتأكيد.‏

ما يفضحُ واشنطن وحلفاءَها الأوروبيين هو اقتصار “الثورات الملونة” على الدول التي ترفض الانصياعَ للسياسة الأميركية، وكان الأولى لو صدقت نيات واشنطن المغلفة بالحريّة والديمقراطيّة وحقوق الإنسانِ أن تطول مثل هذه الثورات دول القمع والاستبداد والجهل ومفرخات الإرهابيين في منطقة الخليج وما يشبهها في إفريقيا وأميركا اللاتينية وأيّ منطقةٍ في العالم.‏

إنّ الصمتَ الذي يلفّ العالم إزاء السياساتِ الأميركيّةِ التي تنتقلُ استهدافاتها من منطقةٍ إلى أُخرى وتستخدم كلّ الوسائل لإضعاف وإسقاط الدول المنافسة لها قد يكلّف العالم حرباً جديدةً لن تسلمَ منطقةٌ من تبعاتِها, ولمنع هذا السيناريو لا بدّ من توحيد الجهود والتحرّك الصادم من قبل روسيا والصين لخلقِ جوٍّ عالميٍّ يوقف أطماع السياسة الأميركية.‏

إنّ أعين واشنطن وحلفائها ترنو بعيداً إلى عزلِ روسيا والصين، واستمرار هاتين الدولتين بالانكفاء عن مواجهة هذه السياسة بقوةٍ في الأماكن البعيدة سيوصل النار إلى تخومِهما وستكون عندها المعركةُ أخطرَ وأصعب،َ وخيارُ الفشل بإطفاء النار موجود بقوةٍ.‏

بقلم: أحمد ضوا