البعث.. قراءة ذاتية لمراجعة موضوعية..!!-صحيفة الثورة

لا تبدو جدلية العلاقة بين فرضيات الممكن، وصورة الواقع القائم مجرد حالة عابرة في تاريخ الأمة، وتحديداً حين تكون بمثابة قراءة قسرية في مفازات صعبة تجتازها الأمة، أو تتهيأ لاجتيازها، بغضّ النظر عن مآل ذلك الاجتياز واتجاهه أو الهوية التي ستنتج عنه، حيث فرضت بالضرورة العودة إلى جذور كانت منسية أو تم تناسيها تحت ضغط المتغيرات، والأهم إعادة الحديث عنها وفق معايير تقتضي إلزامياً الأخذ بما نتج والاستفادة مما حصل.‏

على هذه القاعدة تبدو المراجعة الفكرية حالة مطلوبة، ولا تقتصر على حزب أو قوة سياسية، ولا تنحصر عند مستويات معينة من العمل الحزبي أو السياسي أو النقابي، بقدر ما تستدعي شمولية غير تلك التي توسم بها المفاهيم العائمة والمغرقة في اتهاميتها، وحزب البعث في المقام الأول مطالب اليوم قبل غيره بالنظر أبعد من حدود تلك المراجعة التي تقتضيها بالعادة مرونة هنا أو ضرورة هناك، حيث ذكرى التأسيس التي تمر على تسعة وستين عاماً خلَت تحاول هذا العام أن ترسم نهاية لخط انحناء بالغ في مطواعيته للأحداث، وأحياناً أسهب في مرونته واستجابته لمقتضيات الظرف.‏

في سلبيات وإيجابيات الحالة ثمّة معادلة ُتملي حضورها بصيغ متلونة، وتحت عناوين تأخذ طابع التلون أيضاً، متأثرة بتدرجات المرحلة التي لم تراعِ تسلسلاً زمنياً ولا مكانياً، بقدر ما كانت نتاج حالة الفوضى في التعابير والمصطلحات الغوغائية في انتقاء الصفات والتسميات وفق أهواء وتمنيات أكثر مما كانت مؤشرات ووقائع، واصطدم ذلك بجملة من التهويلات المرافقة التي أخذت صفة الإلغاء والمحظور حتى في الحديث، ولا نستطيع أن نتجاهل ما تم طرحه من استبعاد لأفكار ونظريات وتجارب، أرادت أن تنسف ما ظهر حتى الآن، والعودة ببدائل مشوّهة أو القياس وفق تجارب مسخة لا تعكس الواقع..‏

الأخطر كان الحملة المركزة الواضحة التي استهدفت مكونات الفكر، والتي غالت في التشفّي من تراجعه وتدحرجه أمام أنساق مختلفة من الفطريات التي نبتت على خلفيات أثنية أو عرقية، محمولة في مجملها على العامل الديني الذي استفرد بالمشهد وكاد يخرجه من سياقه الدعائي والترويجي، إلى نسق أحادي الاتجاه يحمل طابعه الإلغائي المحمول على عوامل عنفية تستنبطه من إرث كراهية مستوطنة في بنية المشروع الغربي، وتحويل ما عداه إلى هامشي وعابر في تاريخ الأمة، أو أن صلاحية وجوده ومرحلة قبوله أو ازدهاره كما سماه البعض قد طوَتها المتغيرات، والأمة لم تعد بحاجة إلى الفكر بقدر حاجتها إلى العودة لجذر انتماءاتها الـمَرضية المرعبة التي تفشّت تحت وقع الفقر والعوَز والحاجة.‏

المراجعة هنا.. ليست بنيوية وفكرية رغم الطابع القريب من ذلك، بقدر ما هي في الأدوات والوسائل التي غالباً ما استخدمها الآخر عكّازاً للمرور بين المنعطفات أو في مراحل الاستدارة، لتكون قاعدة مروره التالية نحو الاصطياد بمفاهيم استلابية أقرب إلى احتكار البيئات وتحويلها إلى حاضنات قسرية ناتجة عن تداخل بين مشروعين: إلغائي قائم على فرضية الاستبعاد، ومشروع غربي اعتمد في أدواته على الترهيب جزءاً والإرهاب في كل أجزائه وبقاياه، وبالتالي لم تكن الظروف القائمة وليدة بيئات حاضنة، بل مفرخة استوحت حضورها من علاقتها واستقوائها بالمشروع الغربي وبالتفتيت والتجزئة لإعادة إنتاج خرائط تتواءم مع تلك الأطماع أو تستجيب لها بطريقة أكثر مطواعية.‏

هنا قد يتداخل الذاتي مع الموضوعي، لكن القراءة الذاتية التي تُمليها المراجعة الموضوعية تتقاطع إلى حدّ التطابق، بحيث يكون أي فرز ناتج بالضرورة عن تنامي تلك العلاقة، وتمثّل في الجوهر نوعاً من التصالح الذاتي والموضوعي مع متطلبات مرحلة تُملي على حزب البعث الأخذ بمخرجاته، ورسم دائرة علاقته وتحالفاته مع قوى وبيئات ناظمة لقواها المجتمعية من دون أن تكون مُلزمة بفرضية التشابه أو التقاطع أو التلاقي.‏

الحاجة إلى الأحزاب لم تعد ترَفاً، ولا هي مجرد إشارات غامضة في ظروف محنة أو على ظلال أزمات متحركة ومتفجرة في اتجاهات متفاوتة ومشتتة، بل أضحت طوق نجاة محتوماً على كل المجتمعات التي تريد الخروج من شرنقة التشظّي، ولنا في تجارب عربية قريبة أو بعيدة نتاج غياب الناظم الحزبي والوجود الفعلي للقوى المجتمعية داخلها، وحزب البعث لم يكن حالة مرحلية أو زمنية، بل يعكس واقع تلك الحاجة ويضفي عليها مشروعية شعبية لا تستطيع بقية الأطراف والقوى إحضارها أو فرضها من دون وجوده، وإن كان وسيبقى مشروطاً بفاعلية تتجاوز الحالة الراهنة لتكون حافزاً ومنطلقاً وعتبة تبني على ما قبلها وما بعدها.‏

التكرار هنا كي تكون الوسائل والأدوات بعيداً عن غموض المنهجية وعبثية التقليد، أو الاجترار وفق تجارب لم تكن موفقة ولا ناجحة، ومن غير الممكن أو المتاح أن تتكرر مهما تكن الحجج أو المبررات، حتى لو بدا بعضها أو جزء منها بلبوس المرحلة، ويستشهد بالأزمة وما نتج عنها أو ما يفترض أنه سينتج.‏

بقلم: علي قاسم

تابعوا آخر الأخبار السياسية والميدانيـة عبر تطبيق تيلغرام على الهواتف الذكية عبر الرابط :

https://telegram.me/SyrianArabNewsAgency

تابعونا عبر تطبيق واتس أب :

عبر إرسال كلمة اشتراك على الرقم / 0940777186/ بعد تخزينه باسم سانا أو (SANA).

تابعوا صفحتنا على موقع (VK) للتواصل الاجتماعي على الرابط:

http://vk.com/syrianarabnewsagency