ليس من قبيل المصادفة أو توارد الأفكار أن نجد لدى السيد الرئيس بشار الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين رؤية مشتركة تصل إلى حد التطابق حول الكثير من المسائل، وفي مقدمتها مسألة محاربة الإرهاب، حيث يؤكد الرئيسان دائماً على أولوية هذه المحاربة، ففي حديثه لوسائل الإعلام الروسية شدد الرئيس الأسد على أننا لا نستطيع أن ننفذ شيئاً ما لم نهزم الإرهاب في سورية، وقال: إننا في حالة حرب مع الإرهاب، ولا بد أن نتوحد أولاً في محاربته. وفي كلمته أمام الاجتماع الموسّع لمجلس رؤساء دول مجلس منظمة الأمن الجماعي، أكد الرئيس بوتين أن توحيد الجهود في مكافحة الإرهاب أصبح اليوم أولوية مطلقة، ولايمكن بدونه حل القضايا الملحّة الأخرى التي تتفاقم بما فيها مشكلة اللاجئين الآن».
إن محاربة الإرهاب التكفيري والقضاء عليه هي في الفهم السوري الروسي المشترك أولوية وجودية تتقدم على كل الأولويات. وهذه حقيقة منطقية وواقعية ترقى إلى مستوى البداهة، ذلك أن استمرار الإرهاب يعني غياب الأمن، أي غياب الشرط الضروري لاستمرار الحياة، فكيف يستقيم إذاً الحديث عن حلول، وسيف الإرهاب مسلّط على رؤوس السوريين. إن الحديث عن حل سياسي وغيره من الحلول لمختلف المشكلات التي تعانيها سورية، قبل القضاء على الإرهاب المستمر في التدمير والقتل الممنهجين هو حديث لا معقول، لأن قيمة أي حل تكمن في تطبيقه، والحال أن استمرار الإرهاب يعني تعذّر بل استحالة هذا التطبيق. وما عقْم التصور الغربي لحل الأزمة السورية، وفشل المساعي الدولية التي قامت على أساس هذا التصور سوى نتيجة حتمية لإنكار تلك الأولوية الوجودية، والانطلاق من أولويات أخرى لا واقعية. وكل تصور للحل لا ينطلق من أولوية محاربة الإرهاب يحمل بذور فشله في ذاته، بل هو تصور يبرّر الإرهاب، ويكرّس استمراره، وهذا هو جوهر الموقف الغربي الذي يدعم الإرهاب التكفيري في سورية، ويوظّفه لخدمة أهدافه السياسية، وفرض الحل الاستسلامي على السوريين.
على أن أولوية محاربة الإرهاب لم تعد شأناً وطنياً سورياً فقط، بل هي اليوم شأن إقليمي ودولي أيضاً، ذلك أن الإرهاب التكفيري الذي يضرب سورية منذ خمسة أعوام تقريباً هو سرطان يمتد وينتشر مهدداً العالم كله، وأصبحت محاربته والقضاء عليه في سورية حاجة إقليمية ودولية مثلما هي حاجة وطنية، بل إن أولوية محاربة الإرهاب هي اليوم معيار المسؤولية الدولية والإنسانية الحقة، فالدول التي تؤكد على هذه الأولوية، وتعمل من أجلها، هي الدول التي تريد لسورية والمنطقة والعالم الخير والأمن والسلم والاستقرار، وفي مقدمتها روسيا والصين وإيران وسورية ودول البريكس، أما الدول التي تنكر هذه الأولوية فهي الدول التي تدعم الإرهاب وتريد إغراق سورية والمنطقة والعالم في الفوضى الهدّامة، وفي مقدمتها أمريكا وأتباعها الغربيون والإقليميون. ومن الواضح اليوم أن محاربة الإرهاب هي العنوان الأبرز للصراع الدولي المحتدم بين هذين المحورين، وأن مستقبل العالم كله يتوقف على هذا الصراع الذي لايمكن لنتيجته، على المدى البعيد، إلا أن تكون لصالح قوى الخير والعدالة والاستقلال والتقدم في العالم.
نعم ليس من قبيل المصادفة أن يؤكد الرئيسان السوري والروسي على أولوية محاربة الإرهاب، فهذه الرؤية المشتركة هي نتاج الفهم العميق المشترك للظاهرة الإرهابية ووظيفتها، ونتاج الاحترام المشترك لسيادة الدول، وإرادة الشعوب، وأيضاً علاقات التواصل والتشاور والتعاون المستمرة بين البلدين الصديقين، والتي تستند على أساس راسخ من النضال المشترك ضد التدخل والهيمنة، وقبل كل ذلك وجود سورية وروسيا معاً في قلب المواجهة التاريخية مع العدو الإرهابي التكفيري المشترك، والمحور الامبريالي الرجعي الذي يقف وراءه.
بقلم: محمد كنايسي