دمشق-سانا
مقترح مسرحي أراده المخرج عروة العربي في عرضه الجديد “مدينة في ثلاثة فصول” عن نص احتفال ليلي خاص لدريسدن للكاتب السوري الراحل مصطفى الحلاج حيث قام العربي بتحقيقه عن اقتباس للفنان كفاح الخوص وفق صيغة قارب فيها كل من العربي والخوص واقع الازمة في سورية مشتغلين في ذلك على مستويات جديدة لقراءة النص الأصلي وفق الراهن والمعاصر من الأحداث.
العرض الذي أنتجته وزارة الثقافة مديرية المسارح والموسيقا افتتح أولى عروضه أمس على خشبة الحمراء مراهناً على إسقاطات ثقافية واجتماعية طوعها عروة العربي لصالح الإطلالة على زمن الحرب وما تتركه في نفس الإنسان من انهدامات وتمزق واضطراب نفسي وأخلاقي تجعل من الجميع مداناً أمام كثافة العنف وعبثيته ولا معقولية ما يحدث إزاء تفشي الموت وعدواه المرعبة حيث كان الجمهور أمام فضاء رمادي بإضاءة عكست على وجوه الحضور في صالة الحمراء كتدليل على توريط الجمهور في اللعبة المسرحية وجعله جزءاً من الفضاء.
وتطرح المسرحية حكاية مجموعة من الأشخاص تجمعهم ظروف حصارهم في ملجأ لإحدى الحانات في ليلة الثالث عشر من شباط 1945 عندما قامت طائرات الحلفاء بإلقاء آلاف الأطنان من القنابل على مدينة دريسدن الألمانية انتقاماً من النازية وما فعلته من دمار وقتل لملايين الأوروبيين وليدفع سكان دريسدن ثمن ما فعلته النازية بمدن أوروبا من موسكو إلى لندن إذ كتب الحلاج هذه المسرحية عام 1970 كإسقاط على عنصرية الكيان الإسرائيلي النازية العالمية المعاصرة.
تدور قصة شخصيات العرض بين تجاذبات عدة مشاكل تجعل منهم أشخاصا آخرين أمام قسوة الموقف والأفكار التي تنتابهم وصولاً إلى تفكيرهم بالانتحار الجماعي وتنفيذهم لهذه الفكرة كل في الآخر ليكون هذا المصير بمثابة تنويع على العبث الذي تطرحه المسرحية كمثال عن وجودية الإنسان في زمن الحرب وخوفه والوحشة التي تنتابه في مواجهته مع الآخر في ظل هذه الظروف.
العرض حاول توظيف السينوغرافيا كعنصر حاسم في صياغة الفضاء عبر ديكور صممه الفنان زهير العربي ومؤثرات الفنانة وعازفة التشيللو رغد قصار وإضاءة الفنان نصر الله سفر حيث جاءت هذه العناصر في خدمة الممثلين على الخشبة وزادت من الإيحاء بطبيعية ما يحدث رغم الذهاب أحياناً إلى التغريب كما في مشهد صاحب الحانة وفتاة الهوى.
كما استطاع “مدينة في ثلاثة فصول” الإطلالة على مسرح الحرب والتنويع عليه من خلال قدرات الممثلين في أداء جماعي حاول كل من المخرج وصاحب الاقتباس إعادته إلى شروط المسرح الواقعي من خلال المؤثرات الصوتية التي عكست بدورها أجواء القصف والقذائف ناقلةً جحيم الحرب وفداحتها ومصائر الشخصيات في مواجهة الموت عزلاء ويائسة ومتهالكة نحو قدرها المحتوم.
يقول المخرج على بروشور العرض “فصل من الآلام يسعى كي يروضنا لنمضي ثم يمضي، فصل من الدهشة يحولنا إلى فقاعات من الصابون يتركنا لنمضي ثم يمضي، وفصل من حنين تسكنه ويسكننا طويلاً ثم يمضي، وهكذا دواليك بانتظار فصل كل ما فيه ابتسامة وكل ما فيها مدينة عجزت كل الحقائب على احتوائها”.
يذكر أن العرض من إنتاج وزارة الثقافة مديرية المسارح والموسيقا المسرح القومي وهو من تمثيل كل من محمود خليلي يوسف المقبل/ محمد خير الجراح/ كفاح الخوص/ راما العيسى/ مؤيد رومية/ ربا الحلبي/ طارق عبدو/ مي سليم/ سامر الجندي/ رغد قصار/ وصمم الديكور زهير العربي فيما صمم الإضاءة أدهم سفر والأزياء رؤى خصيروف موسيقا وموءثرات رغد قصار/ والعرض مستمر يومياً على مسرح الحمراء حتى العشرين من الشهر الجاري .