في ملفّ الإنسانية.. ألا يستحي الغرب المنافق-صحيفة تشرين

غير مرة, بل ومرات, تناولت مجالس الأمن المتعاقبة ومثلها مجالس الأمم, موضوع ما درجوا على تسميته «معالجة الوضع الإنساني في سورية..» وفي كل مرة, كانت الخلاصات تنتهي إلى العزف على وتر «الممرّات الإنسانية» التي لطالما تشدقت عشرات الدول المنغمسة أصلاً في هدر الدم السوري, وسفكه, بضرورة إنشائها… هذه «الممرّات الإنسانية» التي كان الغرض منها لاإنسانياً, والهدف أبعد بكثير مما تعنيه هذه المسمّيات الرحيمة التي تتزيّا بلبوس حقوق الإنسان, وحاجاته في ظل الحرب الإرهابية الضروس على سورية… هذه الحرب التي إن وضعت تحت المجهر لخرجت بآلاف مؤلّفة من الحكايا والقصص التي سطّرها التاريخ عن همجية هؤلاء أنفسهم الذين يدّعون «الخوف على سورية والتعاطف مع أبنائها», في الوقت نفسه الذين يرسلون لها فيه الموت الزؤام, والغازات السامة، والتكفير الوهابي, والدمار الذي يحصد عشرات الآلاف من الأرواح من دون تفريق.. فلا يهمّ, إن كانت الضحية طفلاً أو امرأة أو رجلاً أو شيخاً، فالموت للجميع في سبيل تحقيق مآربهم.

المتباكون الضالعون في الجريمة الإنسانية الكبرى هم أنفسهم من ساهموا في صنعها, هم أنفسهم من أرسل الموت إلى سورية, وهم أنفسهم مَنْ رسم مشروع الهجرة غير الإنسانية المراد لها أن تكون كذلك.. هم أنفسهم من زيّن للناس الحياة في بلاد الغرب الاستعماري على أنها حياة وردية ليلقيهم فيما بعد على ضفاف الموت, والهدف هو تنفيذ المشروع التدميري ذاته الذي يعول عليه أصحاب مشاريع التقسيم لتحقيق أهدافهم وأجنداتهم, في محاولة للضغط على الدولة السورية وأبنائها, وخط مقاومتها الصلب. والسؤال المعروف للجميع كيف تمّ ذلك؟ ولماذا؟

إن إفراغ الدولة السورية من أبنائها, بحجة هروب الشباب من الحرب الدائرة في بلادهم, كان الهدف الأهمّ الذي عملت عليه دول المشروع التقسيمي, ولم ننسَ بعد كيف هيأت تركيا خيام اللجوء للسوريين قبل وجود المعطيات التي بنت عليها في نصب تلك الخيام, بخطوات تمهيدية مكشوفة, بدأت دول المشروع تبني عليها كلّ مبادراتها ومناقشاتها للوصول إلى قرار في مجلس الأمن, ما هو في الحقيقة إلا استكمال لما بنت عليه هذه الدول من أهداف استعمارية في المنطقة بعامة, وسورية بخاصة.

فكم جرى التعويل على تلك الملفات الإنسانية معدومة الضمير, وواضحة الأهداف, خلال السنوات الأربع والنصف التي عاشتها سورية, وهي تعاني من ألم الحرب, وفظاعة التنظيمات الإرهابية, وما قامت به من تنكيلٍ وذبحٍ وقتلٍ وتشريد قسري للأبرياء… الخ مما لم يلفت نظر مدّعي الحضارة في المجتمع الدولي, في الوقت الذي كانوا يصبون فيه الزيت على النار بتسليح الإرهابيين وتمويلهم, وتمريرهم, وتسهيل عمل تلك التنظيمات الإرهابية التي ترأسها «داعش» على مختلف مسمّياتها في عمق الأراضي السورية والعراقية, ومن ثمّ يتباكون على مخلّفات المآسي الهادمة للبنية النفسية والحضارية والأثرية والإنسانية!

فماذا فعلوا أمام الآلاف المؤلّفة من الرسائل التي أرسلتها الدولة السورية إلى كلّ من مجلس الأمن والأمم المتحدة, وكذلك آلاف غيرها من الرسائل للمجتمع الدولي ومنظماته الدولية بأنواعها الموثّقة والمبندة لما جرى، ويجري من إرهاب عالمي على الأرض السورية لم يعرف العالم له مثيلاً؟

وما الاستجابات والحلول التي قدمها الغرب نفسه الذي يتباكى اليوم على نزيف الهجرة المحفوف بالمخاطر والموت؟ ألم يرَ المجتمع الغربي مذابح «داعش» بحق الأطفال الذين حرقوهم, وهتكوا أعراضهم, وقطّعوا أوصالهم, وجندّوا بعضهم لتعليمهم الذبح (الحلال) في حق أهلهم وإخوانهم وهجروهم قسرياً بسبب العنف الدموي الذي طال بلادهم وأهلهم؟

أين صوت الضمير العالمي؟ ولماذا هو صامت؟ وأين المجتمع الدولي الغربي من كلّ ما يحصل, ولمَ لم يتصدر الخجل أغلفة وجوههم, وهم يتحدثون اليوم, عن طفل غريق لفظه البحر, وقبله المئات بل الآلاف, نتيجة جرائمهم ووحشية «داعشيتهم»؟! أفلا يستحي هذا الغرب المنافق والمخادع من فجوره, على الأقل أمام براءة الطفولة المهدورة في بقاع الأرض؟!

قالتها رئيسة البرازيل: الغرب هو المسؤول.. نعم الغرب هو المسؤول عن أزمة اللاجئين وكل الإرهاب الممتد في الأراضي السورية.

بقلم: رغداء مارديني