طرطوس-سانا
يعرب الباحث حسن محمود يوسف عن أسفه لما وصفه بانتفاء العادات والتقاليد ومجتمع البساطة والطيبة التي كانت سرا من أسرار السعادة في مجتمع المنطقة الساحلية بعد أن اجتاحت الموضة والعادات الغريبة عن البيئة كل مفاصل الحياة وتفاصيلها ولم يعد هناك من مكان لتلك المفردات الحياتية الجميلة كالعرس الشعبي والأغنية الشعبية والمناسبات والعادات الكثيرة التي كانت تجمع أهل القرى وتظهر خصالهم في التسامح والتعاون والمحبة.
وانطلاقا من ذلك وجد أن موقعه كمعلم وكمرب في المدرسة أولا وكإنسان يحيا وسط جماعة ثانيا يجب أن يكون له دور في المجتمع الذي يعيش فيه وبالتالي عليه الاسهام في أن يستذكر الأشياء التي لها علاقة بالأصالة معتبرا أن العودة إلى الأصالة هي المنقذ للوطن مما سلب منه وأوله التراث الشعبي.
ولدى سؤاله عن معنى الأصالة أجاب يوسف بأنها ليست المحراث القديم والتنور وبيوت الطين وغير ذلك بل هي مجموعة القيم الأخلاقية والجمالية التي تحقق الوئام بين الناس وتعزز العدالة الاجتماعية…هي الصدق والمحبة والوفاء والتعاون وكل ما يدور في اطار ذلك.
حسن يوسف الباحث والمهتم بشؤون التراث اعتبر في حوار مع سانا الثقافية بأن هناك غزوا ثقافيا لكننا ساهمنا في تمكين هذا الغزو من حياتنا وتاليا في اندثار هذا التراث لأننا لم نعرف كيف نحافظ عليه محملا المؤسسات المعنية المسؤولية الأكبر في هذا الأمر فالموضوع يبدأ من المدرسة وتطبيق القوانين والأنظمة التي يتجاوزها الفاسدون بقصد أو دون قصد .
بدأ يوسف اهتمامه بشؤون التراث المحلي لمنطقة صافيتا والمنطقة الساحلية بصورة عامة بأحياء دواليب الحرير فصنع منها الدواليب الثابتة والمتنقلة وبقي يستخرج عليها خيوط الحرير من شرانق القز حتى العام الحالي حيث توقف مرغما بسبب فقدان بذور دودة الحرير علما أن منطقتي صافيتا والدريكيش مشهورتان بانتاج هذه المادة .
ويضيف يوسف عازف العود والكمان المحترف أنه استخدم خيوط الحرير في صنع أقواس لآلة الكمان التي يقوم بصناعتها إلى جانب تصنيع آلة العود التي يواظب عليها منذ ستة وثلاثين عاما.
ويقوم يوسف أيضا بصناعة آلة العود بأنواعها كهربائية وعادية كبيرة وصغيرة للأطفال والطبول والكمنجات ومكبرات الصوت مبينا أن عمله في هذا الاطار ينطوي في خانة الخدمة العامة حيث الربح المادي آخر اهتماماته.
ويكتب الباحث يوسف المسرحيات ويشارك في المهرجانات المحلية ويحاول أن يقدم كل ما لديه وأحيانا أكثر مما يستطيع من أجل أن يرسم الفرحة والابتسامة على وجوه الناس ولكي يستعيد بعضا من ملامح حياة مجتمعه في مرحلة ما قبل السبعينيات التي يحن اليها بشغف .
ويضيف يوسف أحببت المسنين وتابعت أخبارهم لأن الرسالة تصح على أقوالهم ولأنهم يشكلون المثل الأعلى في الحالة الوطنية والوجدانية ولذلك قمت بتوثيق اقوالهم وصورهم وأحاديثهم وأنتجت العديد من الأفلام التي تؤرخ حياتهم وذكرياتهم وصدقهم وبساطتهم.
وحول موقفه من الأغنية الشعبية التي يؤديها بعض المطربين السوريين قال “أنا أعزف على آلتي الكمان والعود منذ أربعين سنه وشاركت كعازف في مئات الحفلات وعملت مهندسا للصوت في هذه الحفلات ولكنني انقطعت عن المشاركة فيها بسبب عزوف المطربين عن الغناء الأصيل وانجرافهم خلف ألحان وكلمات بعيدة عن الروح التي كانت تلم الناس على المحبة والتعاون والفرح” مشيرا إلى أن المطربين الذين يمثلون التراث الاصيل في المنطقة هم عادل إبراهيم /أنور الحلو/ علي الآغا /.
وأضاف إن الذين يغنون حاليا في الأعراس غير مؤتمنين على الأغنية الشعبية معتبرا أن الغناء الشعبي الأصيل أمانة وكرامة.
انتقل يوسف قبل سنوات إلى إنتاج الأفلام السينمائية الوثائقية واستطاع بامكانات متواضعة أن ينتج عشرات الأفلام التي يصنفها بثلاثة أنواع النوع الأول أفلام تراثية تعنى بمرحلة ما قبل السبعينيات من القرن الماضي والنوع الثاني اسماه الأفلام الموازية وهي مزيج من الماضي والحاضر والنوع الثالث أفلام معاصرة وتتعلق بالفترة الراهنة .
وتناول يوسف في هذه الأفلام موضوعات عدة كالحياة اليومية لأهل المنطقة والمواسم والعادات والتقاليد والثقافة والأدب والصناعات المهنية ومن هذه الأفلام نعدد /في رحاب الامومة/ آراء في العمل التربوي/ الارض تشتاق لأهلها/ العيد في ذاكرة الماضي/ طواحين الماء/ وغيرها وقد عرض بعضها في المراكز الثقافية في محافظة طرطوس كما جرى عرضها في أماكن عامة أخرى حيث اطلع الناس عليها ولاقت اعجابا واستحسانا كبيرين.
لا يرى يوسف أن هناك مشكلة مع الحداثة أذ يمكننا أن نستفيد من التطورات المذهلة في عالم التقنيات والتكنيك بشرط أن نتمسك بقيمنا الأصيلة قيم الصدق والوفاء وحب العمل واحترام الكفاءات ووضع الإنسان المناسب في المكان المناسب معتبرا أن هذه الخطوات تؤدي إلى القضاء على انتشار المحسوبيات والفساد .