لأنّه لا مكان للصدفة في عالم الحسابات السياسية، فإنّ انقلاب “سلطان الدواعش” بين ليلة وضحاها من أب روحي للتنظيم الإرهابي إلى محارب له، وتصوير نفسه على أنّه ضحية للإرهاب، محاولة لا يمكن وضعها إلا في سياق الهروب إلى الأمام من أزماته الداخلية، التي تشي بقرب خروجه وحزبه من الحياة السياسية التركية.
وإذا سلّمنا بأنّ الاعتراف بالخطأ فضيلة، فإنه ذلك يلزم من يريد الانكفاء الإقرار بالذنب، لكن أن يحاول أردوغان إيهام العالم بأنّه ضحية الإرهاب فينطبق عليه وحكومته المثل القائل: “إن لم تستح فافعل ما شئت”، فالذاكرة الجمعية لم يسقط منها بعد أن للنظام التركي الدور الأبرز والمحوري في إيصال الأمور إلى ما وصلت إليه، حيث أن تفشي الإرهاب وتمدده في المنطقة كان بفضل استضافته لتكفيريي العالم، عندما فتح قاعات الاستقبال في مطارات اسطنبول وأنقرة لكل المنحرفين أخلاقياً قبل أن يرسلهم إلى سورية، كما أنه ما يزال حتى اللحظة يشتري النفط المسروق والآثار المنهوبة من سورية والعراق ويسوقها عبر “مافياته” في أوروبا والعالم لتأمين التمويل للتنظيمات التكفيرية، ومعامل حلب شاهد على سياساته الممنهجة في تدمير الاقتصاد السوري.
وبعد كل ذلك وبوقاحة قلّ نظيرها يقول: إن قصفه لمواقع كردية يندرج في إطار مادة من ميثاق الأمم المتحدة تنصّ على أنّ هذه العمليات في سياق الدفاع عن شعبه وأرضه ضد الإرهاب!، وهنا نسأل: هل التزم نظام أردوغان بأي من قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وهل يحق لأردوغان أن ينتقي من القرارات الدولية ما يتناسب ومصالحه لتبرير قتله لمكوّن رئيسي من شعبه؟!.
لكي نوضح سبب التغيّر في الموقف التركي علينا وضع الأمور في نصابها الصحيح من خلال جملة وقائع حدثت في الأيام القليلة الماضية، أولها وصول نار الإرهاب إلى أطراف ثوب أردوغان، ما أرغمه على الاعتراف بإرهاب الدواعش، وبدأ جيشه بتنفيذ عمليات استعراضية ضدهم، فيما الاستهداف الحقيقي كان لقوات الحماية الكردية، التي تحارب بالأساس تنظيم داعش، وثانيها: سماح النظام التركي للإدارة الأمريكية باستخدام قاعدة إنجرليك الجوية، وثالثها: قيام الكيان الصهيوني باعتداء سافر جديد على الأراضي السورية.
وكل ما تقدّم لم يكن محض صدفة، وإنما جاء في سياق تعاون وتنسيق بين ثلاثي التآمر على سورية والمنطقة، ولكل منهم هدف مختلف عن الآخر، فالكيان الصهيوني يحاول بث الروح ورفع معنويات مرتزقته التي تقاتل في سورية للاستمرار في القتال، وذلك في إطار العمل على عرقلة أي جهود للحل السياسي، خاصة مع بروز موقف دولي مطالب بضرورة الجدية في تطويق ظاهرة الإرهاب، أما أمريكا فتعمل على اتخاذ خطوة متقدّمة في محاربة داعش وتحاول الإيحاء بأنها تستخدم كل الإمكانيات المتاحة لمكافحة التنظيم الإرهابي، وذلك في إطار الاستدارة الأمريكية التي فرضتها المتغيرات الاستراتيجية في المنطقة بعد التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران، فيما أردوغان رمى بورقته الأخيرة لتحقيق إنجاز ما يقود إلى إجراء انتخابات مبكرة تعيد له الأغلبية التي كان يتمتع بها قبل الانتخابات الأخيرة.
ويبدو أن أردوغان يسير في الاتجاه المعاكس لما يمكن أن ينقذه، فبدلاً من الاعتراف بالخطأ والانكفاء داخل الحدود، فإن حماقته السياسية قادته إلى فعل النقيض، وفي النهاية فإن النتائج ستكون كارثية على نظامه، وبالتالي ستكون أمريكا أول المتخلين عنه بعدما انتهت مدة صلاحيته، وسيلحق بـ “حمدي” قطر وإخوان مصر وغيرهم ممن راهنوا على إسقاط سورية وكان مصيرهم الزوال، في حين محاولات الكيان الصهيوني لن تجدي نفعاً بعد الضربات القاصمة التي تلقتها التنظيمات التكفيرية في القلمون على يد الجيش العربي السوري.
بعبارة أخرى وقائع الميدان هي التي ستحدد مستقبل المنطقة، وتطورات الأحداث تسير بلا شك في مصلحة سورية، والتي ستفرض الحل السياسي الذي يتناسب مع مصالح شعبها.
عماد سالم