لا يشير تمديد المفاوضات بين إيران والدول الست الى أي احتمال، ولو ضعيف، للتراجع، كما يتمنى أعداء الاتفاق النووي، ولاسيما الكيان الصهيوني، والمملكة الوهابية. فالمفاوضات، كما صرح كبير المفاوضين الإيرانيين عباس عراقجي، توصلت الى إنجاز شبه كامل لنص الاتفاق والملاحق الخمسة المرفقة به، ولم يبق سوى بضعة هوامش.
والحقيقة أنه لولا توافر إرادة إنجاز الاتفاق لدى الطرفين المتفاوضين، لما أمكن للمفاوضات أن ترى النور أصلاً. فبالنسبة لإيران يخدم الاتفاق مصالحها الوطنية، ويعزز مكانتها الإقليمية والدولية. وبالنسبة للغرب يمثل الاتفاق خياره الأوحد بعد أن عجز خيار العصا الغليظة التي أشهرها في وجه طموح إيران النووي السلمي عن إيقاف هذا الطموح، الذي أصبح، بقوة الصمود الإيراني، حقيقة لابديل واقعياً للغرب عن الاعتراف بها. وأما الخطاب الحاد، وحتى الخطاب الابتزازي والتهديدي الذي استخدمته بعض الأطراف الغربية في المفاوضات أحياناً، واستحقت عليه ردوداً قاسية من المفاوض الإيراني، فهدفه الحصول على أكبر قدر ممكن من التنازلات الإيرانية، وليس إفشال التفاوض بأي حال.. أي أن الغربيين جادون في التوصل الى اتفاق، على أن يتضمن أكبر قدر من التنازلات التي يمكنهم الحصول عليها. ومن الطبيعي، وقد دخلت المفاوضات مرحلتها الأخيرة والحاسمة، أن يستخدم المفاوضون كل قوتهم، ويطلقوا آخر سهامهم، بما فيها السهام المسمومة.
ولعل هذا هو بالضبط مايفعله اللاعبون الغربيون الآن وهم يحاولون، في الوقت الضائع، تسجيل هدف الفوز القاتل في المرمى الإيراني. لكن إيران التي قدمت للعالم درساً بليغاً في فن التفاوض يقوم على إعلان خطوطها الحمراء غير القابلة للتجاوز، واعتماد المرونة، بل وتقديم الاقتراحات البنّاءة لحل العقد، كلما اشتدت صعوبتها، واستعصت على الحل، فيما عدا تلك الخطوط، تبدو، بعد هذه الأشواط الماراتونية من التفاوض، في كامل لياقتها المعنوية، والأقدر على ممارسة فن الصبر، والتحكم بالأعصاب، وتحمّل ضغوط الساعة الأخيرة.
ومن هنا فإن من المتوقع أن يتم تذليل الصعاب المتعلقة ببعض النقاط الخلافية العالقة التي استوجبت التمديد القصير، ولاسيما نقطة العقوبات التي تحظر على إيران شراء الأسلحة، أو تمديد التفاوض مجدداً الى أن يتحقق ذلك. أما فشل المفاوضات، فغير وارد، ليس فقط لأن لا أحد يستطيع تحمل مسؤولية انهيار ماتم إنجازه من الاتفاق حتى الآن، وهو كثير، وضياع الجهود الهائلة التي بذلت في سبيله بل لأن البديل عن الاتفاق النووي سيكون المزيد من النار التي تحرق المنطقة والعالم… ولا أحد – كما يبدو – يريد هذا، ماعدا غربان الموت الناعقة في فلسطين المحتلة، وأرض نجد والحجاز.
بقلم: محمد كنايسي