دمشق-سانا
في إطار مشروعه لإبراز الوجه المشرق للمرأة السورية يتناول المخرج باسل الخطيب في مسلسله الجديد حرائر الذي يعرض ضمن الموسم الرمضاني الحالي 2015 نماذج من النساء السوريات اللواتي كان لهن دور تنويري في المجتمع كنازك العابد وماري عجمي وهي شخصيات توثيقية حقيقية بالاضافة الى شخصيات أوجدتها الكاتبة “عنود الخالد” لتخدم فكرة العمل الذي يحمل قيمة معرفية تجعله متميزا ومختلفا عن مسلسلات ما عرف بالبيئة الشامية التي كرستصورة نمطية للمرأة السورية لا تخرج عن اطار تلبية طلبات الرجل واثارة المكائد.
ويصنف المسلسل الذي أنتجته المؤسسة العامة للانتاج الاذاعي والتلفزيوني كعمل اجتماعي درامي تدور أحداثه في فترة من تاريخ سورية وتحديدا بين عامي 1915-1920 في أواخر الاحتلال العثماني الذي أفرغ البلاد من الرجال والخيرات ولاحق كل من يقول كلمة حق دفاعا عن وطنه سورية وهذا ما نلمسه في المسلسل من خلال اعتقال وتعذيب الصحفي بترو باولي خطيب ماري عجمي الذي فضح في مقالاته ممارسات “العصملي” الجائرة بحق السوريين ..كما يتجلى ذلك من خلال السيناريو الذي كان موفقا في ايضاح الفكرة والهدف من المسلسل فجاء على لسان إحدى الشخصيات ” كأنو العصملي مارح يطلع من البلد وفيها رجال واحد…” فترد الأخرى ” بس الأمهات رح يضلوا يعلموا ولادون شو يعني الشام وحب الشام”.
واجتمعت في حرائر كل العناصر المطلوبة لنجاح عمل درامي يظهر صورة غير تقليدية للمجتمع الدمشقي في مجال الفكر والثقافة عبر شرائح من النساء اللواتي ناضلن من أجل الحرية وبرعن في مجال الإعلام والصحافة وساهمن من خلال تأسيس الجمعيات الأهلية والمنتديات الثقافية في تحدي المستعمر وتعليم القراءة والكتابة للنساء وفتح أعينهن على الحق في التعلم اذ تسأل احدى الشخصيات أباها قائلة ليش ماعلمتنا يابي.. سانا الثقافية زارت أحد مواقع تصوير الحلقات الأخيرة من المسلسل في بيت دمشقي قديم والتقت مخرج العمل الذي أكد أن المرأة قضية مهمة في حياتنا وتشكل في الأدب العالمي وفي الفنون الأخرى عمودا فقريا في أي موضوع وكمتابعة للمشروع الذي بدأته منذ بداية الأزمة بتقديم ثلاثة أفلام سينمائية تتمحور حول المرأة السورية في زمن الحرب التي تعيشها سورية أردت أن أحيي صورة المرأة في الدراما التاريخية المعاصرة بطريقة مختلفة تظهر حقيقة المرأة السورية وتخالف النمط السائد في أعمال أخرى فهي انسان له مشروعه وطموحاته.
وأضاف الخطيب الذي كان يتعامل مع فريق العمل خلال عمليات التصوير بود ومحبة انه تناول في حرائر فترة تاريخية مهمة من تاريخ سورية المعاصر من خلال التركيز على بعض الشخصيات النسائية الحقيقية بالاضافة الى بعض الشخصيات التي كانت تعيش في ذلك الظرف التاريخي الصعب فيما اعتبره تصحيحا للصورة المغلوطة عن المرأة السورية والدمشقية تحديدا.
ولفت إلى بعض الصعوبات الناتجة عن الظرف العام الذي نعيشه وخصوصا تصوير مثل هذه الأعمال التي تنتمي الى فترة تاريخية معينة الذي يزداد صعوبة فيما يتعلق بتأمين مواقع التصوير فنحن بحاجة الى بيئة تشبه بيئة الشام قبل مئة عام مثلا وهنا الصعوبة الكبرى في صنع صورة للمسلسل تقارب الصورة المعاشة في ذلك الوقت وهذا ما تطلب جهدا كبيرا في مجال الديكور والاكسسوار والملابس .. وعبر عن أمله في أن يحظى المسلسل بنسبة مشاهدة عالية مشيرا إلى أنه منذ الحلقات الأولى استطاع أن يحقق متابعة طيبة.
وحول ما يقال عن تراجع الدراما السورية قال الخطيب إن الظروف التي تمر بها سورية ليست ظروفا عادية ومن الطبيعي أن تترك تأثيرها السلبي على حياتنا وعلى أعمالنا ولأننا اعتدنا في فترة من الفترات أن تقدم الدراما السورية انتاجات ضخمة كمناظر الطبيعة والحشود نجد أنه من الطبيعي ان يتراجع ذلك بسبب الظروف وبالتالي اليوم التحدي كبير في ظل عدم توافر الميزانيات المناسبة للأعمال لذلك نجد أن السلاح الذي يمكن أن يخدمنا هنا هو “الموضوع والأفكار” فلجأنا إلى العمل على مواضيع جريئة لنصنع دراما قوية ببنيتها وهذا برأيه سيحمي الدراما في السنوات القادمة الى أن تستعيد بلدنا عافيتها وتعود حركة الانتاج افضل من قبل .. وأن يتم تصوير هذا الكم من المسلسلات والأفلام السينمائية في سورية خلال الازمة يشكل تحديا بحد ذاته.
وعن دوره في المسلسل قال الفنان أيمن زيدان ان “صبحي” يمثل الجانب الذكوري اي الرجل الذي يحمل وجهة نظر قاسية تجاه المرأة فيراها في اطار الوجود التقليدي وهو شخصية شريرة عموما ولكني أقدمه بمزاج مختلف خارج الكليشيهات العادية فهو رجل طريف صاحب نكتة بحكم عمله كتاجر في سوق الاقمشة النسائية ما أكسبه مهارات ليكون ذا مزاج عال لكن سلوكه ومواقفه وتصرفاته تمثل الحالة الذكورية السلبية بالمسلسل.
واعتبر زيدان هذا المسلسل بمثابة مرافعة حقيقية للدفاع عن صورة المرأة السورية بمطلع القرن الماضي لكونه يصحح صورة المرأة في الدراما البيئية السورية وللأسف معظم المسلسلات الشامية كانت تظهر ان دور المرأة لا يتعدى الاستجابة لمتطلبات الرجل لكن هنا نجد أن المرأة كانت قامة عظيمة في تاريخنا بالاعتماد على شخصيات ذات أساس تاريخي حقيقية موثقة كماري ونازك.. وشخصيات أخرى ابتدعتها الكاتبة.
وقالت الفنانة المتألقة سلاف فواخرجي ان المسلسل يقدم المرأة السورية على حقيقتها كما يعرفها أهل الشام وان كانت بعض الأعمال الدرامية قدمت المرأة بطريقة مختلفة وهو ما أثار اعتراضات كثيرة على النمطية التي ظهرت بها في الأعمال البيئية فحاولنا في حرائر أن نقول أن دمشق كان فيها أيضا نساء متنورات أديبات حقوقيات طبيبات جامعيات حتى ربات البيوت في ذلك الزمن كن فاعلات ويعملن ضمن البيوت بمهن مختلفة لكي يربين أبناءهن.
كما كانت المرأة مكرمة في بيتها حسب فواخرجي وليست مقموعة لا هم لها سوى كيد النساء وقصص الضرائر فالقصة أكبر من ذلك بكثير .. ورجالات سورية المهمون تربوا على أيدي أولئك النساء والكاتبة طرحت أفكارا مهمة وأنا طالما دعوت في السابق إلى الخروج عن فكرة الصورة النمطية وضرورة تقديم أعمال تصور المرأة السورية على حقيقتها كما قرأنا وكما سمعنا من أمهاتنا وجداتنا.
وقد أحببت شخصية بسيمة التي توءديها في المسلسل وتتوقع ان يحظى بنسبة متابعة عالية لما فيه من شروط فنية عالية أيضا إلى جانب الفكرة والمستوى والطرح موضحة أن هناك عطشا لدى المشاهد لمعرفة حقيقة المرأة الدمشقية.
وقالت الفنانة الشابة حلا رجب خريجة معهد الفنون المسرحية سنة 2011 انها أدت دور ماري عجمي الأديبة والمناضلة والشاعرة والصحفية السورية في أوائل القرن العشرين في مرحلة معينة من حياتها وهي الفترة التي تحب فيها بترو باولي وهو صحفي سوري من أصل يوناني ويتم سجنه من قبل جمال باشا السفاح ثم يتم اعدامه مع التركيز على نضالها ضد الاحتلال العثماني وفيما بعد ضد الاحتلال الفرنسي.
وكان أداء الدور بالنسبة لها تحديا كبيرا كونها تمثل شخصية واقعية بالدرجة الأولى وكونها شخصية نسائية مؤثرة جدا في التاريخ والمفروض أن يكون لها في الدراما أثر كبير فهي إحدى النساء السوريات اللواتي نفخر بهن وستترك تأثيرا كبيرا لدى الجمهور.. وأوضحت ان لديها ثقة مطلقة بأن المخرج الخطيب
سيقدمها بشكل مميز كما عبرت عن امتنانها للكاتبة عنود التي أضاءت على جانب مهم ومجهول الى حد ما من تاريخ المرأة السورية وخاصة أن المرأة في عام 1915 كانت قادرة على الوقوف في وجه المستبد العثماني وبعده الفرنسي وقادرة على الكتابة في الصحافة واحداث التغيير في المجتمع من خلال المنتديات الأدبية.
وأشارت رجب الى أن صعوبة أداء هذا الدور كانت في أهمية الشخصية وفي البداية منذ قراءتها على الورق كانت تشعر بالخوف إلا أن متعة تقديمها طغت على مخاوفها وهي أكثر شخصية تركت أثرا بداخلها لدرجة أنها تعلقت بها وهي حزينة بعض الشي لأنها في الأيام الأخيرة من التصوير .. بالاضافة الى متعة العمل مع مخرج مثل الخطيب الذي يعطي مساحة قصوى للممثل تجعله يحلق فكيف بممثلة جديدة مثلها وضعت في هذا المكان بعد ثلاث سنوات فقط من تخرجها ..وأقول انه أعطاني شعورا بالأمان وثقة بمقدرتي الفنية.
وعبرت صاحبة شخصية نهلة في مسلسل عناية مشددة عن أملها في أن يتابع المسلسل أكبر عدد من المشاهدين مشيرة الى أن هذا النوع من المسلسلات غالبا لا يأخذ جماهيرية لكن المفاجئ أن الناس أحبوا المسلسل ويتابعونه ما يعزز القناعة بأن الناس بحاجة الآن إلى العمل الحقيقي الذي يحمل فكرا وقيما عالية المستوى وبحاجة إلى أن يروا سورية بصورتها الحقيقية المشرقة ويسعدها أن يطلع الناس على هذا الرقي الحضاري والتاريخ الإيجابي.
وتحدثت الفنانة لمى الحكيم عن دورها في المسلسل قائلة أقوم بدور نازك العابد التي تعتبر من أولى النساء اللواتي تعلمن بدمشق وساهمت في تحرير المرأة واخراجها من الحالة التي كانت تعيشها والتي حاربت المستعمر الفرنسي وحاربت الأتراك بعدة طرق وأسست جمعية لتعليم النساء القراءة والكتابة وتعليمهن المهن المفيدة لكي يخرجن من تحت سيطرة الرجال ثم يقوم العثماني بنفيها هي وعائلتها ولكنها تعود لتعمل سرا.
وعما اذا كان المخرج اختارها لوجود شبه بينها وبين شخصية نازك من ناحية الشكل بينت أنه لا يوجد شبه مطلقا بينهما فالمخرج الخطيب يضع الممثل المناسب في المكان المناسب مشيرة الى أنها أحبت الشخصية واعتبرتها تحديا لكونها شخصية ثورية طليعية وهناك صعوبة في اداء الدور عند القراءة على الورق كون الشخصية تنتمي إلى عصر غير عصرنا وتتكلم بلغة بعيدة عن لغتنا اليومية بعض الشيء .. وتتوقع لحرائر أن يحظى بنسبة مشاهدة عالية لكونه
الوحيد في إطار المسلسلات التاريخية البيئية الذي يطرح لأول مرة أفكارا جديدة حول دور المرأة في المجتمع السوري.
أما خلود عيسى التي تقوم بدور الين شقيقة ماري عجمي التي تقف إلى جانبها في المراحل الصعبة التي مرت بها وتكون سندا لها فقالت انها أحبت فكرة المسلسل وقدمت دورها فيه باندفاع ومحبة وهي مرتاحة لأجواء التصوير والعمل مع مخرج مثل باسل الخطيب مؤكدة أن الجمهور بحاجة الى أعمال تظهر مكانة المرأة السورية عبر التاريخ اذ كانت مثقفة ومستقلة وحرة وتساهم في الثورات والمظاهرات ولها وجودها الفعال في المجتمع بعكس ما تم الترويج له في المسلسلات الشامية.
كما التقت سانا الثقافية في موقع التصوير مصممة الأزياء الدرامية ريا قطيش التي اختارت الأزياء بما يتناسب مع المرحلة التاريخية لأحداث المسلسل وبناء على تحليل النص وعلى رغبة المخرج في تحديد اللون والصورة ما إذا كانت موثقة أو تجميلية مشيرة إلى أنها استعانت بالمراجع التاريخية كالكتب التي تؤرخ لمدينة دمشق والبروشورات والصور الفوتوغرافية المتوافرة فكان ظهور الممثلين أقرب الى الواقع في تلك الفترة.
وعانت مصممة أزياء فيلم الرابعة بتوقيت الفردوس من الكم الكبير للأزياء المطلوبة التي توزعت على عدة خطوط كالزي الشامي وطبقة المثقفين ولباس الجنود وكان التنفيذ يتم في ورشات خاصة بالأزياء الدرامية متخصصة بالثياب العربية الشامية أوباللباس العسكري وباللباس النسائي وأخرى بالرجالي من شراويل وطرابيش ..لكنها راضية عن عملها في حرائر رغم رغبتها في بعض الاحيان بتعديل شيء هنا او هناك فعمل الأزياء يحتمل التعديل بشكل دائم.
ورأت أنه من الضروري التركيز على مثل هذه الأعمال لاظهار نماذج من المرأة السورية الفاعلة في المجتمع وأشارت إلى أن هذه هي تجربتها الثانية مع المخرج الخطيب بعد فيلم الأم.
مها الباشا احدى المشاهدات اللواتي يتابعن المسلسل قالت لـ سانا الثقافية أن الحلقات الأولى للمسلسل تظهر تحدي الحرائر السوريات للمحتل العثماني من خلال العلم والصحافة والعمل على تطوير المرأة وخروجها من القوقعة الذكورية.. وما لفت نظرها في المسلسل هو الصدق في التعامل بين النساء المتنورات وسعيهن إلى رفع شأنهن من خلال تأسيس المنتديات وكذلك مواجهتهن لمحاولات التشهير بالمرأة السورية من قبل “العصملي” فكان العمل بمثابة رد على الأعمال التي تتاجر بصورة المرأة السورية وتحط من شأنها.
وعبرت عن اعجابها بالاخراج والديكور وأداء الممثلين وانسجامهم في فريق عمل واحد بعيدا عن النجومية وعن فكرة النجم الأوحد .. وساهمت اللهجة الشامية البعيدة عن تنوع اللهجات الذي نراه في مسلسلات أخرى في جعله عملا سوريا بحتا قريبا من الواقع الى حد كبير.
سلوى صالح