الصحفيون.. في وقفة تأمل..!!-صحيفة الثورة

حسم الصحفيون ومنذ وقت طويل الجدل حول موقعهم في خارطة التجاذبات، وتخطوا المراحل الجزئية الأولى التي اعتادت الغرق في مناكفات المحاججة بين مدافع ومتهم، حيث رسموا خطوطاً متقاطعة حول الأولويات، واستطاعوا أن يفصلوا إلى حد بعيد بين سلسلة التشابكات التي كانت تعيد خلط المعادلات حول دورهم.

وإذا كانت تلك المعادلات قد أبرزت مقولات ومفاهيم ومصطلحات طفت من خلالها على السطح سلسلة الثوابت التي تحاكي في مواجعها وهمومها ما يثبت الفارق بين التواءات المشهد وما يحيط به من هوامش، فإن الصحفيين لم يترددوا في كثير من المنعطفات أن يقدموا رؤيتهم، بل أن يبادروا وفق ما تتطلبه معطيات المشهد في ظل حراك كان قد وضع نصب عينيه الكثير من التقاطعات الخطيرة.‏

والواضح أنهم رغم القصف المتعدد الجبهات الذي تعرّضوا له، استطاعوا أن يحددوا اتجاههم بحكم التطورات، خصوصاً لجهة انحيازهم منذ البداية لثوابتهم الوطنية، التي أدركوا بفطرتهم بأنها دائماً قارب النجاة حين تندلع الحرائق أو تتحرك الزوابع في جهات الأرض الأربع.‏

ورغم حالة الإلحاح التي تتسم بها معظم التطورات والأحداث والتي لم تترك مساحة للاستدراك، فإنهم لم يضطروا في لحظة من اللحظات للتردد في الاختيار، ولا أن يقفوا على الحياد أو ألا ينحازوا وبشكل عفوي في أحيان كثيرة.‏

لكن هذه العفوية قد لا تكفي من الناحية المنطقية لتكون هي المعيار أو المعادلة، بدليل أن الكثير من اللحظات احتاجت إلى المبادرة بما هو متاح ووفق إمكانيات يقرّ الجميع بتواضعها من الناحية التقنية والمادية، وحدها إمكانيات الكادر البشري كانت تناكف وتعاند حتى استطاعت أن تترك بصمتها على مجريات وتطورات تعددت حلقاتها، وانتزعت اعترافاً تجاوز الإقرار إلى التسليم.‏

عند هذه النقطة فإن التحدي الحقيقي الذي لا يزال يصارع الصحفيون بمواجهته هو افتقاد الإجابة عن سؤال يُطرح منذ زمن طويل.. ماذا يريدون من الإعلام؟ وما الرسالة الملقاة على عاتقه في الواقع الراهن؟ باعتبار أن المطلوب من النواحي الوطنية والمهنية قد حُسم تلقائياً ومن دون انتظار.‏

في منطق الأشياء أن لا شيء على الإطلاق لا يدخل في إطار عمل الإعلام، وليس هناك من لا يستطيع أن يوجه ملاحظة وأحياناً تصل إلى حدود النصيحة «المحتشمة» دون أي ضمانات بأنها لن تتحول إلى انتقاد، ومع ذلك ثمة معادلة كان الإعلام حاضراً في طرفيها وموجوداً في متناقضاتها ومتعارضاتها في الآن ذاته، ولم يخرج من جولة إلا ليدخل في عراك الجولة التالية، وما تمليه من قواعد اشتباك مستحدثة.‏

كل هذا يدفع إلى الجزم بأن المرحلة القادمة ستكون أكثر مدعاة للمواجهة، وأكثر استغراقاً في استعراض الأحجيات ذاتها، مع فارق مرحلي لا يتعدّى حدود المساحة الموكلة إلى الإعلام من دون التصريح بها، حيث إن الهامش الذي كان في مرحلة ماضية منطقة يحظر الاقتراب منها بات حقاً مكتسباً لا يستطيع أحد أن ينازعه عليها، ولم يتردد في بعض الحالات أن يخرج أبعد من ذلك ليضيف مساحة هوامش جديدة وغير مسبوقة!!‏

عند هذه النقطة لا يستطيع أحد أن يقارن بين إعلام وتحديات ومعطيات وإمكانيات وبين نتائج وأدلة وقرائن لا تستطيع لمسها، لكن بالعقل والمنطق تستطيع الاستدلال عليها، وتلك كانت العلامة الفارقة في الإعلام الوطني ودوره، وهذه تُسجّل له في زمن كانت المواجهة تملي قدراً من التحديات تجاوزت حدود العقل أو التخيّل أو التصوّر، وحتى بالافتراض لم يكن متاحاً مقاربتها.‏

الصحفيون السوريون في مؤتمرهم تتنازعهم طموحات وتتصارع فيما بينهم نوازع القبول بالأمر الواقع أو التفوّق على الذات في إنتاج أرضية توصل إلى حيث يكون المعيار، وإلى حيث يجب أن تكون المعادلة متموضعة داخل سقف استطاع الإعلام أن يرتفع من دونه.. والصحفيون السوريون يدركون أو سيدركون أن مساحة المؤتمر لا تكفي للطموح أبعد، لكنهم أيضاً يوقنون أن الحجر لا بد أن يحرّك مياهاً راكدة ولو توَهّم البعض غير ذلك.‏

حجر الصحفي المحمول على أمانة المهنة وقدسيتها وما تقتضيه عرفان بأن هذا الإعلام يستحق وقفة تأمّل مفصلية أبعد من اللغة المطلبية، وقد تكررت لدرجة الملل، وأكثر من حدود المشادة في التوقف عند الثغرات وهي معترف بها، وأهم من صيغ الإنشاء التي تزيّل تقارير مؤتمراتهم وهي مسلّم بها، من أجل مناخ صحفي يتجاوز التقليدي – ما طرأ منه وما تم استحداثه – حيث تضحيات الزملاء على دروب الوطن راية نستظل في معادلتها ونستبقيها في وجداننا.. لنتفق بأننا على الطريق الصحيح.‏

بقلم: علي قاسم

انظر ايضاً

عبث حافة الهاوية

 لم يكد يُعلن عن الاتفاق الأميركي التركي حتى ظهرت التباينات والتفسيرات والتفسيرات المضادة، التي شهدت …