الشريط الإخباري

المحفل الباريسي في الوقت المستقطع-صحيفة الثورة

لم يكن بمقدور المحفل الباريسي أن يستعيد كل الوقت الذي أهدره تحالفه، ولا أن يسترجع كامل المساحة التي اعتادت طائراته أن تجول عبرها لتغازل حشود داعش المندفعة في كل الاتجاهات، وهي مطمئنة للغزل الأميركي، بل مدركة أن صوت طائرات التحالف الأميركي بات إشارة متفقاً عليها لاستكمال التقدم، أو أنها في الاتجاه المطلوب أميركياً.‏

ما خرج به المحفل لا يختلف كثيراً عمّا بدأ به، وما توصلت إليه مماحكات خبرائه وسياسييه لا تغاير تلك القناعات التي تترسخ تباعاً بأن الاستخدام الغربي لداعش لم يعد مجرّد خيار مرحلي بقدر ما يعبّر عن استراتيجية تتضح أهدافها وغاياتها تباعاً، حيث ما أعلنه المحفل لم يكن كل ما تم نقاشه، وما بقيَ طي الكتمان أكثر بكثير مما خرج إلى العلن.‏

المفارقة أن الفرنسيين المأخوذين بالدور الموكل إليهم أميركياً استفاضوا في نشوة الاستضافة، إلى الحدّ الذي دفع بوزير خارجيتهم إلى البوح بمكنوناته التي عجز عن الإفصاح عنها داخل القاعة المغلقة، أو لم يتسِع لها الوقت، فوجد في المؤتمر الصحفي ما يكفي للذهاب بعيداً في أوهامه وتمنياته بما فيها تلك الممجوجة والمستهلكة، وكأن الزمن قد توقف لدى دبلوماسيته فعاد ليغرف مما سبق له أن غاص في أوحاله مراراً وتكراراً.‏

فالمسألة لم تعد تجدي معها البيانات الهزيلة المبنية على المصالح الشخصية الضيقة، ولا وفق معيار الصفقات الرخيصة التي باتت تشكل أكثر مظاهر التحدي للمجتمع الدولي، لأن الخطر الذي يواجهه العالم كان ولا يزال مستمراً بفعل ما أقدمت عليه السياسة الفرنسية وما تتبنّاه قولاً وفعلاً، والأخطر أنه يحتمي بما تلوذ به سياسة النفاق الغربي للهروب من مواجهة الحقائق المرّة التي تفصح عنها التطورات المتلاحقة، في وقت كانت بيانات المحفل وتصريحات الكثير من المشاركين فيه اجتراراً للنفاق ذاته.‏

ما بات بحكم الأمر الواقع أننا أمام تسابق في لغة النفاق التي تفيض عن الحاجة في محاكاة السياسة الغربية للمخاطر المحدقة بالعالم، وفي مقدمتها مخاطر الإرهاب الذي تمارسه بالوكالة كما تفعل بالأصالة عن نفسها، وتحديداً ما ظهر من البيان الختامي، حيث جاء متخماً بلغة الأكاذيب والادّعاءات الجوفاء، التي خلَت من أي مُعطى جديد يمكن الاتكاء عليه للنظر خارج سياق المبازرة الرخيصة في تحديد المؤشرات الفعلية على الأرض، خصوصاً إذا ما اقترنت بكثير من الوقائع الموازية التي تدين أغلب المشاركين في المحفل، سواء التي تدعم الإرهاب وتموّله أم تلك التي ترعى من يدعم الإرهاب.‏

في المحصلة إننا أمام فصل جديد من التكاذب الغربي، لن تقف مؤشراته عند حدود ما ظهر حتى اللحظة وما قادت إليه النتائج الميدانية من تمدد للإرهاب، بقدر ما تمهّد لمرحلة قادمة أكثر خطورة حين يتحوّل المحفل بحدّ ذاته إلى أمر عمليات للتنظيمات الإرهابية بامتلاكها المزيد من الوقت، وأن فرصة إضافية قد تم منحها لها بالإجماع من الدول الراعية والداعمة والـمُوجِهة والـمُخطِطة.‏

وهذا ما يمكن تلمّس نتائجه من خلال رجع الصدى لدى تلك التنظيمات، التي وجدت في المساحة الإضافية الممنوحة من الوقت فرصة أخيرة قد لا تتكرر، وربما قد لا تتاح من جديد، بحكم أن المواجهة المفتوحة بين من يحارب الإرهاب وبين من يدعمه وصلت إلى خواتيم مفصلية، يمكن لها أن تحدد مكان وزمان المعركة الفاصلة القادمة بلا ريب.‏

بيع الوقت للتنظيمات الإرهابية تجارة غربية رابحة ومثمرة وفق تجارب الأميركيين والفرنسيين وأدواتهما في المنطقة، لكنها ليست القاعدة الوحيدة المعمول بها، ولا يمكن القياس عليها دائماً في جميع الظروف ومختلف المعطيات، وربما غير صالحة للعمل بمقتضاها.‏

ما غَفل عنه الفرنسيون ومعهم الأميركيون هذه المرة أن الوقت الذي حسموا أنه يعمل لمصلحة لغة النفاق والكذب، تواجهه على الأقل معطيات ومؤشرات بأن المحور المواجه لديه من أوراق القوة ما يفيض عن حاجته لقلب المعادلة، بدليل أن المواجهة الوجودية تسارع في فرض معطياته، وربما في رسم مستقبل المعركة المفصلية القادمة التي ستعيد فرض خرائط مناقضة ومغايرة للرهان على الإرهاب أو التعويل على أدواته وداعميه.‏

فاللعب في الوقت المستقطع مقامرة خطرة محفوفة بمفاجآت تنتظر أن تشق طريقها إلى ساحة المجابهة، وفي زمن قد لا يتيح انتظار نتائج ما يعوّلون عليه ولا محصّلة ما راهنوا.. وما غامروا به..!!‏

بقلم: علي قاسم

 

انظر ايضاً

ما وراء طرح دولة منزوعة السلاح ..؟ بقلم: ديب حسن

أخفق العدوان الصهيوني في غزة وعرى الكيان العنصري أمام العالم كله، ومعه الغرب الذي يضخ …