دمشق-سانا
تعتمد التشكيلية غادة حداد على المرأة كمحور أساسي للوحتها وتتعامل معها كمادة خصبة تمكنها عبر رصد إرهاصاتها الانسانية وتفاصيلها الأنثوية من تقديم حالة الوجود الانساني وتفاعله مع الكثير من نواحي الحياة الخاصة والعامة.
وعن أسلوبها الفني تقول غادة حداد في حديث لسانا: أتجه في لوحاتي نحو الحالة التعبيرية الواقعية تارة و التجريدية الانفعالية تارة أخرى وبتقنيات متنوعة كالكولاج و الطباعة وبعض التقنيات اللونية المحددة للتعبير عن حالات وأفكار وجدانية خاصة مبينة انها ترسم المرأة لأنها موضوع مهم وخصب فهي الام والوطن إلى جانب انها تعلم عن عالمها الكثير بحكم كونها أنثى.
وتتابع: أستخدم في لوحاتي الألوان الزيتية لأنها طيعة و تملك طيفا لونيا كبيرا جدا فهي تمكنني من التعبير عن التناقض الذي أشعر به من خلال اظهار التضاد بين اللون و الحالة التعبيرية التي أرسمها و التي أعيشها يومياً متأرجحة بين الحزن و الفرح وبين الحياة و الموت لينتج في النهاية عمل فني يحمل جزءا من روحي.
وتوضح حداد أنه ليس لديها رسالة معينة من وراء ما تقدم من اعمال فنية غير انها تعبر عن احساسها ومشاعرها المتناقضة تجاه الواقع الذي تعيشه لافتة إلى أن الأنثى التي تسكنها تساعدها على التعبير أكثر وبحرية أكبر عن المرأة وعالمها المليء بالأحاسيس والأحلام والأفكار.
تعبر مواضيع التشكيلية حداد عن ذاتها الانسانية وعن حالتها الشعورية دون ان تفكر بموضوع التسويق على حد تعبيرها فهي ترى أن تسويق العمل الفني يأتي كنتيجة للعمل الجيد وتحصيل حاصل في النهاية مبينة أن أسلوبها الفني الحالي المتجه نحو الواقعية يلبي الحالة الفكرية والبصرية التي تعيشها والتي تتطور دائما لدى الفنان وتنتقل من طور إلى آخر باعتقادها.
وترى حداد أن الفن هو أسلوب للتعبير و يتدخل في جميع التفاصيل اليومية للفنان اذ لا يمكن الفصل بين الحياة الواقعية والفن تحديداً في الزمن الصعب الذي نعيشه يومياً وتقول..لا أنكر التأثير الكبير للأزمة على نفوسنا و أفكارنا جميعا و بالتالي على أعمالنا الفنية كفنانين لذلك احاول التعبير عن الحزن الكبير اليومي في وطني سورية وتحديداً ما تمر به مدينتي الحبيبة حلب من قهر و معاناة يومية لأهلها من خلال لوحاتي التي يبدو عليها الحزن ظاهراً مع حرصي على استعمال الألوان التي تضج بالحياة في خلفية العمل فيظهر التضاد واضحاً و يبدو للمشاهد الحزن و الأمل معاً.
وتشير التشكيلية حداد إلى أن الحركة التشكيلية السورية شهدت قبل الأزمة “نهضة ملحوظة” و ذلك من خلال المعارض لكثير من الفنانين و افتتاح العديد من صالات العرض الفنية في دمشق وباقي المحافظات و لكن خلال الأزمة و بسبب “مغادرة الكثير من التشكيليين إلى الخارج اغلقت اغلب الصالات الفنية الخاصة وتقلص النشاط التشكيلي بشكل كبير” وانخفض معه حجم السوق الفنية نتيجة للظروف.
وترى ابنة مدينة حلب أن وزارة الثقافة و اتحاد الفنانين التشكيليين اليوم يلعبان دوراً “هاماً و ايجابياً” في احياء الحركة الفنية التشكيلية من خلال استمرارهما بجميع نشاطاتهما المعتادة كالمعارض السنوية و الملتقيات رغم عبء التكاليف المترتبة على ذلك واستطاعا المحافظة على دورهما في تشجيع الفنانين ودعمهم خاصة الشباب منهم.
وحول الاستفادة من تواجد عدد من التشكيليين السوريين في الخارج تقول حداد: إن هذه الظاهرة قيمة مضافة للحركة التشكيلية السورية لأن كل فنان يعبر عن هويته الخاصة و عن أفقه الفني والفكري من خلال أعماله الفنية معتبرة أن انتقال نشاط عدد من صالات العرض السورية إلى الخارج أتاح الفرصة للفنان السوري لتسويق أعماله الفنية.
وتؤكد حداد أن الفن التشكيلي السوري هو امتداد للإرث الحضاري والتاريخي الكبير لبلدنا الذي لا يزال يساهم اليوم في تشكيل هوية الفن السوري مبينة أنه رغم ميل معظم التشكيليين الشباب إلى الابتعاد عن الواقعية الفنية و الاتجاه نحو الحداثة و ما بعد الحداثة في محاولة منهم لاكتشاف مفرداتهم الخاصة و التشبه بالفن العالمي المعاصر فان الحداثة لا تلغي هوية الفن التشكيلي السوري بل تعطيه شكلاً معاصراً اذا وظفت بشكل مناسب.
وعن وجود اختلاف بين الفن المنتج من قبل الفنانة الانثى عن نتاج الفنان الرجل تعتقد حداد ان الفن هو فعل انساني غير مرتبط بجنس الفنان فالفن يحرض الفكر و الأحاسيس بغض النظر عن جنس الفنان فالفروق نجدها بين المحترفات الفنية والمدارس التشكيلية لا بين الفن الذكوري و الفن الأنثوي لافتة إلى أننا نعيش المعاناة ذاتها نساء كنا أم رجالا والمتلقي لا يقيم العمل من خلال جنس الفنان بل من خلال قوته التعبيرية.
وتعبر حداد عن تفاؤلها بمستقبل الفن التشكيلي السوري وتختم بالقول: أثبت الفنان السوري للعالم أنه أقوى من الحرب من خلال نشاطه الدؤوب و اختياره لمتابعة العمل الفني ومقاومة الأزمة بالعمل و الجهد لأن الحياة مازالت ممكنة و الانسان السوري يمتلك في داخله طاقات تمكنه من تجاوز أصعب الأزمات.
محمد سمير طحان