دمشق-سانا
تختزن ذكرى الشهداء في مضامينها معاني الكرامة والتضحية والفداء والوحدة والتضامن بين أبناء الوطن وخاصة في ظل التحديات التي تواجهها سورية والمنطقة المتمثلة بالحلف التكفيري الصهيوني لتقسيم المنطقة وتدميرها وإعادتها إلى دائرة الهيمنة والتبعية للخارج رغم أن شعوبها قدمت قوافل من خيرة أبنائها كشهداء على طريق تحقيق الاستقلال والتحرر من المحتل بجنسياته المتعددة.
قبل نحو مئة عام من اليوم انتفض أجداد السوريين على إرث استعماري احتلالي عثماني طويل دام نحو 400 عام من القهر والظلم والاستعباد فرد المحتل بجنسيته العثمانية بوحشية تمثلت بارتكاب مجازر قتل جماعية بحق الشعب العربي في بلاد الشام وحصار خانق لكل نواحي الحياة وحملات تهجير وإبادة للشعوب الواقعة تحت سطوة السلطنة المتداعية.
المحتل العثماني عمد أمام خسارته للعديد من أطراف سلطنته بعد وقوعها بيد محتل أوروبي جديد مع بداية الحرب العالمية الأولى إلى تبني نهج طوراني متعصب أراد الحفاظ على ما تبقى من السلطنة عبر انتهاج سياسة تتريك تقوم على إلغاء الآخر ولو اضطر الأمر إلى إبادته كما فعل مع شعوب هذه المنطقة.
لكن أبناء سورية الطبيعية تمسكوا بهويتهم ولغتهم وحضارتهم وأبوا الرضوخ للظلم أو قبول قيد العبودية والاستعمار أو مهادنة المحتل فاتسعت دائرة النهضة الثقافية الوطنية والقومية وزاد وعي الشعب بخطورة مخططات التتريك التي تستهدف وجوده ومستقبله وكثرت اللقاءات والاجتماعات والمنتديات السرية التي بدأت تبحث كيفية التخلص من المحتل.
تنبه المحتل العثماني إلى خطورة النهضة القومية العروبية على مخططاته الإلغائية التوسعية فأطبق حصاره على أبناء سورية الطبيعية ولاحق الشباب منهم وجندهم في حروبه ووضعهم في مقدمة جيشه على شتى الجبهات للتخلص منهم اولا وعمد إلى ملاحقة واعتقال النخبة من المثقفين والادباء والكتاب والسياسيين العرب وظن أن قتلهم ينهي أحلام شعب تاق إلى الحرية والاستقلال المفقود لقرون طويلة.
نصب المحتل العثماني متمثلا بالسفاح أحمد جمال باشا المشانق لمن اعتقلهم من مختلف مدن سورية ولبنان على مرحلتين كانت الأولى في 21 آب عام 1915 وأعدم فيها 11 من المفكرين والأدباء والمناضلين وكانت الثانية في 6 أيار عام 1916 وأعدم فيها 21 مناضلاً ومثقفاً عربياً في كل من بيروت ودمشق بعدما كان نفذ سلسلة من الإعدامات الفردية.
ولكن المحتل العثماني فشل في إطفاء حمية الشعب العربي وشعلته الملتهبة حيث انتفض بعد الإعدامات في كل مكان مطلقاً صرخة الحرية وما هي إلا أشهر معدودة حتى أطاحت الثورة العربية الكبرى بالمستعمر القديم ولكن مستعمراً جديداً بجنسية فرنسية وانكليزية وصهيونية كان يتربص بهذه الأرض وأهلها فكرر تجربة الاحتلال وكرر السوريون تجربة النضال والمقاومة ونالوا استقلالهم مرة أخرى فيما بقيت فلسطين والجولان ولواء إسكندرون وبعض الأجزاء شمال سورية تحت الاحتلال.
وتبقى ذكرى شهداء السادس من أيار ورفاقهم محفورة عميقاً في ضمائر وعقول وأرواح أبناء سورية كرمز للنضال في سبيل الحرية والاستقلال والحفاظ على الهوية القومية وتم إطلاق اسم ساحة الشهداء على كل من ساحتي المرجة في دمشق والبرج في بيروت اللتين شهدتا المجزرة.
ويستذكر السوريون هذه الأيام الشهداء الأبطال ليستمدوا من مواقفهم وتضحياتهم القوة والصبر والعزيمة في مواجهة أحفاد القاتل العثماني ممثلا بأردوغان الذي يحاول مجدداً سلب إرادة السوريين وقرارهم معتمدا هذه المرة على قتلة تكفيريين ومرتزقة مأجورين جندهم من كل أصقاع العالم بالتعاون مع السعودية وقطر والولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل وغيرها.
ويقدم السوريون اليوم قوافل من خيرة أبنائهم شهداء على طريق حماية الاستقلال الذي صنعه أجدادهم بنضالهم وتضحياتهم وهم مصممون أكثر من أي وقت مضى على الثبات في معركتهم التي لا يدافعون فيها عن أنفسهم وهويتهم فقط بل عن شعوب المنطقة والإنسانية وقيمها في مواجهة فكر تكفيري إلغائي لا يستثني احداً.
ابراهيم حسن