الشريط الإخباري

أدباء حمص: نزار قباني أحد أهم الظواهر الأدبية بالقرن العشرين

حمص-سانا

من فوح الياسمين الدمشقي ورقرقة مياه بردى وشموخ قاسيون الشام عبق شعر نزار قباني الذي تغنت به الدنيا لتغدقنا بدواوينه وتفيض سحرا يبحر على امواج العاصي ليسقي بذور الحياة في مدينة تقدس الشعر.

أعوام مضت على رحيل هذا الشاعر العظيم ابن دمشق وعاشقها وما زال خالدا في ذاكرتنا وذاكرة الشعراء والكتاب والمبدعين.

ويصادف اليوم ذكرى وفاة الشاعر الكبير الذي ولد في دمشق عام 1923 وتخرج في كلية الحقوق بالجامعة السورية وعمل بالسلك الدبلوماسي في بداية حياته لكنه تفرغ للشعر الذي حقق له انتشارا كبيرا بين القراء العرب وأصبح من أعلام الشعر العربي المعاصر وصاحب مدرسة شعرية أثارت الجدل في الأوساط الاجتماعية والثقافية وخاصة ما يتعلق بأشعاره عن المرأة وموقفه منها.

ويقول طالب هماش رئيس اتحاد الكتاب العرب في حمص.. في شعر نزار يتعانق القلبان الازليان بخصيصة العشق قلب الرجل ضاما اليه قلب المرأة المتصل كخيط الريح الشفاف بفراديس.. أما نافورة الماء التي احبها نزار فتتوسط شعره كما تتوسط صحن الدار وتملأ الجو برقصاتها المائية فداره هي الدار الدمشقية المترعة بالنوافير ونباتات الورد التي تعطر الازقة بشذاها المسكر والطبيعة مدللة بين يديه وعصافيرها تطير فوقه كالغيمة المؤلفة من الاف الاجنحة وكأنها تهز له المهد الذي لم يرد نزار مغادرته كي يظل طفلا مدللا قريبا من ملابس الطفولة المعطرة.

ويرى هماش ان نزار اوجد لغته المتخفضة من البلاغة والمألوفة والقريبة من القلب ومن هنا اصبح تداولها سهلا على كل لسان فبريشته رسم صوت الاصبوحة الدمشقية وأسمعنا الأرجحة الرائعة للكلمات المغناة ومع ذلك يبقى هناك سر في قصيدته على الشعراء أن يكتشفوه.

بينما يصف الشاعر شلاش الضاهر الشاعر نزار قباني بأنه أحد أهم الظواهر الادبية في القرن العشرين اذ استطاع عبر مسيرته الشعرية الوصول الى مكانة مرموقة على الساحة الأدبية فانطلق بشعره من المحلية الى العربية ومنها نحو العالمية واستطاع ان يوجد له هوية شعرية ميزته كمبدع في صياغة القصيدة توشيتها بشتى انواع الصور المادية المحسوسة والمعنوية الحاضرة اخيلة ومسافات ومساحات مكتنزة بالالوان والغارقة احيانا بالتفاصيل.

ويضيف.. لقد استطاع نزار امتلاك مفاتيح الدخول إلى عالم الدهشة العشرية والتقاط الحالة الابداعية من خلال قصائده سواء التي كتبت على نظام التفعيلة الواحدة كما في النمط الشعري القديم أو من خلال القصيدة الحديثة او حتى الشعر النثري الذي ظهر في كتاباته.

ويرى شلاش انه لا ضير لو سمي نزار قباني بشاعر المرأة فيكفي أن المرأة تمثل الخصب واجمل معاني العطاء اللامحدود وقد جعلت الشعوب القديمة من الانثى الهة للحب والجمال كما هي عشتار عند البابليين وافروديت عند اليونان وهذا ماينحو اليه نزار في شعره واعتبر ان الرجل هو من صناعة المرأة الانثى فيقول.. سأغير التقويم لو احببتني امحو فصولا أو أضيف فصولا.

كما أن الوطن الكبير سورية وعاصمتها دمشق ظل حاضرا في أشعار نزار الذي حمل الهوية العربية السورية مفاخرا بأن سورية هي أم الانسان الأول ومهد الحضارات.

بدورها اعتبرت الشاعرة عبير الديب أن نزار قباني بشعره تملك اتجاهات الريح سابقها ليسبقها وأحاط بجهات الارض فضاقت به الابجدية ولم يضق بها نزار الذي لامس دواخل كل انثى كانت بحاجة إلى صوت يتقمص حبالها الصوتية ويجاهر بما تكتم من هواجس وأنات قرأت نفسها بين سطوره فأطربتها كلماته المغرقة بالنبل والانسانية والتي تصل إلى من يمر بها دون حواجز أو معاجم أو قواميس.

وترى الديب أن نزار يستحق لقب المتنبي الجديد حيث قال في الثمانينات ما ينطبق على واقعنا اليوم وكان صرير قلمه أعلى من دوي البارود وصوت الحياة في دواته أكثر قوة من هدير ألغام الموت الجارفة لان ارتباطه بقضايا الامة لم ينفصل عن الواقع ليعيش ملكوت الشاعر المترفع بل سكن البيوت والحارات العتيقة وعايش هموم الشارع العربي ومازال لشعره ذات البريق حتى اليوم.

أما الاديبة والشاعرة خديجة بدور فترى ان شعر نزار كان صوت المرأة الحالمة المتعطشة للحرية والانعتاق من القيود الاجتماعية التي تكبلها فكانت كلماته محفزا لتقدير ذات المرأة ككل وابراز جمالها كأنثى اولا وكسيدة لها مكانتها في حياة الرجل والمجتمع ثانيا مستخدما لذلك كلمات تأسر قلوب كل من قرأها او استمع اليها وكأنها تحكي قصته الشخصية مع حبيبته كأنثى او كوطن فهو عشق دمشق وبيروت والقدس كعشقه للمرأة فكان وطنيا وقوميا وانسانا حظي بمحبة الجميع اينما حل وأينما نثر شذا كلماته.

ويعتبر الشاعر محمد الفهد ان نزار قباني انزل الشعر من عليائه وجعله بين الناس حتى صار خبزا لهم فهو واحد من أهم شعراء عصرنا ذلك لانه ومنذ بداياته أفسح للموقف من قضايا التخلف الاجتماعي مكانة مؤثرة ورأى ان تحرير المجتمع يبدأ من خلال تحرير الجسد ومن هنا اصبح موضوع المرأة مدخلا لأي موضوع آخر.

ويرى الفهد أن شعر نزار الغزلي توجه ليكون في مصاف شعراء العالم الذين انشدوا للحب وابدعوا فيه اعمالا خالدة و”لذلك نراه يشعل الحرائق دائما من أجل أن ينهض من رمادها كائن جميل قادر على الحياة في ملكوت الجمال والخير والحق”.

ويضيف.. إن نزار شارك من جانب آخر الجميع إيقاعهم وجذبهم إلى طقس الشعر وحفظه وتناقله سرا وخفية عن اعين الرقابة الأسرية والاجتماعية وفتح قلوب الناس للشعر وحببهم به فكان يسعى لتشكيل خطاب شعري خاص به مختلف عن السائد الفني والجمالي والسائد الثقافي والاجتماعي.

بينما تغوص الشاعرة والأديبة مادلين إسبر في بحور الالهام التي أبدع فيها نزار قباني ووجهت إليه هذه الكلمات الرقيقة.. كلما قرأتك يصيبني داء الحنين تخطفني الأساطير إلى هناك إلى الزمن الجميل الى الغد والذكريات الى عشقنا الاول وعناقنا الأزلي إلى قصيدة بحجم قمر الى ترغلة السماء بلغة الحلم.

الأديب والناقد السينمائي الدكتور نزيه بدور يرى أن نزار الشاعر كان “طفرة فنية” رائعة في زمن عرف نهوضا ثقافيا كبلته صراعات سياسية متناحرة فجاء شعره صرخة تبوح بحق المرأة في العشق وبحق الشعوب بالحرية وكانت طريقته في القاء قصائده مثار جذب وإعجاب حتى طغى جمال صوته في الأفلام السينمائية التي استضافته على الموسيقا التصويرية لها وهو ما نلمسه في فيلم “القناص ذات يوم بيروت” بطولة روجيه عساف وآمال عفيش.

ويؤكد بدور ان شعر نزار سيظل في دفاترنا وذاكرتنا وأغانينا فهو يقرع جرس أحساسينا كعشاق لكل شيء حولنا في كل زمان ومكان فعطر الياسمين الدمشقي الذي تغنى به شاعرنا لن يجف يوما مادام في الشام اجراس الكنائس تقرع وماذن المساجد تصلي من أجل سورية.