اللاذقية -سانا
أكثر من ثمانين عملا فنيا قدمها طلاب معهد الفنون التطبيقية من خلال مشاركتهم ضمن فعاليات مهرجان عين البيضا الثالث للتراث وتمحورت مواضيعها حول أبرز الأساطير والمكونات الدقيقة للحضارة الأوغاريتية وحضارات إنسانية أخرى من خلال منحوتات صغيرة بعضها حمل لون الآجر الطبيعي وبعضها أدخلت عليه ألوان متناسقة دون نسيان الجداريات التي تندرج في الإطار ذاته إلى جانب وجود لوحات تبرز جمالية الخط العربي بمختلف أنواعه التي عرف بها.
ويقول المدرس عبد الباسط زابون استاذ الخزف والنحت في المعهد أن حماس الطلاب لتقديم أفضل ما لديهم في هذا المهرجان أتى من إيمانهم بأهمية الحضارة العريقة التي يمتلكها السوريون والعائدة لآلاف السنين ما يجعلها غنية وزاخرة بتفاصيل تتعلق بالتراث يعمل عليها الطلاب بشكل دائم خلال دوراتهم التعليمية في المعهد لذلك كانت المشاركة بالنسبة لهم فرصة حقيقية لعرض قطعهم الفنية التي تلائم بشكل كبير أجواء المهرجان المتخصص بكل ما له علاقة بالتراث السوري بشكل خاص.
ويتابع لدينا في المعهد ثلاثة أقسام رئيسية يتوزع الطلاب فيها حسب رغبتهم وميولهم الخاصة أولها النحت ثم الخزف وثالثها الخط العربي وركزنا في هذا المعرض على إبراز جميع المنتجات الخاصة بأوغاريت كالرقم الأوغاريتية الشهيرة والأساطير المرتبطة بهذه الحضارة دون نسيان تقديم أعمال حداثوية وتكوينات منوعة تحمل فكرا ورؤية خاصة بكل طالب من طلابنا الذين اخترنا أعمالهم الملائمة للعرض وفق معايير اعتمدنا فيها على علاقتها بروح المهرجان الذي سنشارك به إضافة إلى أهمية أن تكون ذات مستوى جيد تقنيا وفنيا بحيث تراعي الخطوط العريضة والتوجيهات التي يتطلبها العمل الفني الناجح.
الخشب والجبصين يعتبران من المواد الأساسية التي دخلت في تكوين عدد كبير من المنحوتات إلى جانب الصلصال والطين حيث أوضح زابون أن اختيار المادة الأولية للمنحوتات يعود لذوق الطالب ورؤيته الخاصة لتشكيل المنحوتة فالخشب معروف بكونه غير مطواع بالعمل ويحتاج وقتا وجهدا مضاعفا يفوق الجهد المبذول لتشكيل منحوتة من الطين أو الجص منوها إلى أن المعهد يقدم للطلاب جميع المواد الأولية اللازمة للعمل مع توفير ألوان خزفية بنوعية عالية تسهم في إضفاء لمسة خاصة على المشغولات الخزفية التي تحتاج بكل تأكيد وقتا وطريقة معينة للشوي في الفرن المخصص لتجفيف هذه القطع لتصبح صالحة للعرض.
وأبرزت العديد من أعمال الطلاب دور المرأة في تلك الحضارات خلال تجسيد الاساطير التي عرفت بها ودورها كأم وعاشقة إضافة لدمجها مع عدد كبير من عناصر الطبيعة ولاسيما الأرض حيث أكدت أريج دالي أن اقرب الأعمال النحتية لها يتحدث عن حالة عطاء المرأة التي صورتها كنحلة مجدة في عملها فقامت بتوءمة قطعتين تجسدان هذين التفصيلين وأضافت لهما بعض اللمسات دون إدخال ألوان للقطعة على اعتبار أن لون الخزف الأساسي له جمالية وتعتيق خاص لا يمكن تجاوزه.
كما شبهت أريج جسد المرأة بجذع الشجرة من خلال تفصيله على هيئتها كدلالة على خصوبة المرأة وارتباطها بالأرض واعتبارها المكون الأساسي للحياة والعطاء دون مقابل والقدرة على التحمل والصبر رغم تعرضها للجراح من خلال إبراز العديد من الشقوق ضمن الجذع الذي لم يحرم التكوين من جماليته بل أعطاه بعدا وعمقا فكريا لافتا.
أما النحات جابر أسعد فشارك بتسعة أعمال نحتية مجربا مختلف الأنواع التكوينية من خشب وصلصال وجص فجسد الإله بعل وجدارية ترمز للسفينة الفينيقية إضافة إلى أعمال جصية ترمز للعلاقة بين الرجل والمرأة دون نسيان الأمومة التي ظهرت في عدد كبير من أعماله لاسيما الخشبية منها حيث لفت أسعد إلى أن تمثال الأم المصنوع من الخشب استهلك منه وقتا وجهدا كبيرين نظرا لخصوصية الفكرة وحاجتها لحرفية عالية لإبراز تفاصيلها.
ويقول “أنجزت أكثر من خمسة عشر عملا نحتيا حول موضوع الأم إضافة لوجود منحوتات أخرى اعتمدت فيها على الخشب الذي يحتاج أدوات دقيقة لحفره وتحضيره وصقله بالشكل المطلوب إضافة لاعتمادي على الصلصال لتجسيد عشتار آلهة الخصب عند الفينيقيين القدماء فالمرأة لها مكانة متميزة في أعمالي النحتية التي تبرز خصوصيتها من خلال تنوعها وطرحها أفكارا جديدة مرتبطة بتراثنا اللامادي لاسيما ما هو متعلق بحضارتنا وتراثنا وتفاصيل حياتنا الاجتماعية المعاصرة”.
يشار إلى أن مهرجان عين البيضا الثالث للتراث استمر من 17 حتى 20 من الشهر الجاري وضم عددا من الفعاليات الفنية والتراثية المنوعة.
ياسمين كروم – مي قرحالي