القدس المحتلة-سانا
مدينة جنين ومخيمها إحدى قلاع المقاومة الفلسطينية الحصينة في الضفة الغربية تكسر في كل مرة جبروت الاحتلال الإسرائيلي، فمحاولاته المتواصلة للقضاء على المقاومة فيهما محكومة بالفشل في كل عدوان يشنه، حيث تجبره بطولات المقاومين على جر أذيال الهزيمة مرة بعد أخرى، لتتحول اعتداءاته الوحشية إلى لهيب يحرق جنوده المهزومين، وتبقى شعلة المقاومة متقدة استعداداً لجولة أخرى من المعركة بمواجهة المحتل حتى تحقيق النصر وتحرير الأرض.
عدوان الاحتلال على جنين ومخيمها يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين يعيد للأذهان اجتياحهما في الثالث من نيسان عام 2002، إبان الانتفاضة الفلسطينية الثانية، حيث فرض الاحتلال طوقاً عسكرياً على جنين.. بسهولها وجبالها وطرقها الرئيسية والفرعية، واجتاح المدينة وحاصر مخيمها الذي لا تتعدى مساحته النصف كيلومتر مربع بآلاف الجنود ومئات المدرعات مدعومين بالطيران الحربي، تحضيراً لاقتحام المخيم الصغير بمساحته.. الكبير بمقاومته وبفعله وتأثيره.
الاحتلال حاول على مدى أسبوعين تقطيع أوصال المدينة ومخيمها وإنهاء المقاومة فيهما، وارتكب مجازر راح ضحيتها وفق الإحصائيات الفلسطينية نحو 500 شهيد ومئات الجرحى واعتقل العشرات بينهم من لا يزال معتقلاً حتى اليوم، إضافة إلى تهجير الآلاف بعد تدمير نحو 1200 منزل.
وتجلت وحدة الصف الفلسطيني في أرض الميدان وفي خندق المواجهة، وساعدت في التخطيط لإدارة المعركة ما كبد الاحتلال 29 قتيلاً في جنوده، إضافة إلى إصابة العشرات، وتدمير وإعطاب العديد من آلياته العسكرية.
اعتداءات الاحتلال على جنين ومخيمها لم تتوقف، حيث استشهد وأصيب واعتقل المئات بعد اجتياحهما في محاولة لإطفاء جذوة المقاومة، وتصاعدت هذه الاعتداءات بشكل كبير خلال هذا العام الذي استشهد خلاله 63 فلسطينياً في المدينة ومخيمها، بينهم 40 خلال اعتداءاته الخمسة الواسعة.
قوات الاحتلال شنت عدوانها الأول في الـ26 من كانون الثاني الماضي، حيث حاصرت المخيم وارتكبت مجزرة راح ضحيتها 10 شهداء، فضلاً عن إصابة العشرات وعاثت آلياته العسكرية وجرافاته خراباً ودماراً، وهدمت نادي المخيم الذي يستخدمه الفلسطينيون نقطة إسعاف للمصابين، كما منعت الطواقم الطبية وسيارات الإسعاف من الوصول إلى الجرحى وتركتهم ينزفون حتى الموت في جريمة حرب جديدة تقشعر لها الأبدان وثقتها وسائل الإعلام أمام نظر العالم وعلى مسمعه، ورغم ذلك استبسلت المقاومة في التصدي للعدوان، حيث استهدفت قواته بصليات كثيفة من الرصاص والعبوات المتفجرة، موقعة إصابات محققة في صفوفه، كما أسقطت له طائرة مسيرة.
وفي السابع من آذار اقتحمت قوات الاحتلال بتعزيزات كبيرة المخيم وسط إطلاق وابل من الرصاص على الفلسطينيين، ثم حاصرت أحد المنازل وأطلقت عليه صاروخاً، ما أدى لاستشهاد 6 فلسطينيين وإصابة العشرات واستهدفت سيارات الإسعاف لمنعها من إنقاذ المصابين ولاحقاً استشهد فلسطيني متأثراً بإصابته ليرتفع عدد شهداء العدوان إلى 7، بينما تمكنت المقاومة من إصابة عدد من قوات الاحتلال، وأسقطت طائرتين مسيرتين.
وبعد 9 أيام ونتيجة تقاعس المجتمع الدولي وعدم جديته في وقف جرائم الاحتلال اقتحم المئات من جنوده شارعاً وسط مدينة جنين، وأطلقوا الرصاص بكثافة وبشكل مباشر على الفلسطينيين، ما أسفر عن استشهاد 4 منهم وإصابة 23.
عدوان آخر ومجزرة جديدة ارتكبها الاحتلال في جنين ومخيمها في الـ19 من حزيران الماضي، حيث اقتحمهما بـ120 آلية ومدرعة عسكرية وسط تحليق مكثف للطيران الحربي من نوع “أباتشي” وانتشار القناصة فوق المنازل وإطلاق الرصاص وقنابل الغاز السام باتجاه الفلسطينيين، ما أدى لاستشهاد 5 وإصابة 91 أعقبهما شهيدان متأثرين بإصابتيهما، حيث قصف طيرانه الحربي لأول مرة منذ نهاية انتفاضة الأقصى قبل 20 عاماً مناطق عدة في حي الجابريات بالمدينة، وتصدت المقاومة للاحتلال وتمكنت من تفجير عدة آليات عسكرية، ما أدى إلى إصابة 7 جنود.
وفي يوم العدوان ذاته حرض الوزير في حكومة الاحتلال بتسلئيل سموتريتش على شن عدوان واسع شمال الضفة الغربية، وقال: “حان الوقت لشن عملية عسكرية واسعة شمال الضفة بمشاركة القوات الجوية وقوات المدرعات”، وتبعه في اليوم التالي الوزير ايتمار بن غفير بتحريض مماثل قائلاً: “أدعو نتنياهو وغالانت لشن عملية عسكرية واسعة في الضفة الغربية، حيث بات المستوطنون صيداً للفلسطينيين وهذا يجب أن ينتهي”.
فجر الاثنين الماضي شن الاحتلال عدوانه البري والجوي الخامس هذا العام وهو الأوسع على جنين ومخيمها منذ عام 2002 استمر يومين، حيث حاصرهما بأكثر من 1000 جندي وسط تحليق مكثف للطيران الحربي والمسير، واستهدف بأكثر من 10 غارات مواقع داخل المخيم وعلى أطرافه، وعقب ذلك اقتحمت أعداد كبيرة من قواته بـ200 جرافة وآلية مدرعة مدينة جنين من محاور عدة، وقطعت الطرق التي تربط بينها وبين المخيم مع إطلاق كثيف للرصاص واستهداف الطيران المسير بالصواريخ للمنازل، ما أسفر عن استشهاد 10 فلسطينيين في اليوم الأول وإصابة 100 واعتقال 120 آخرين، إضافة لدمار هائل في البنية التحتية.
قوات الاحتلال وبهدف زيادة عدد الضحايا منعت سيارات الإسعاف من الدخول لإنقاذ المصابين، واستولت على منازل وأبنية مطلة على المخيم ونشرت قناصتها فوق أسطحها، وألحقت الجرافات أضراراً جسيمة بممتلكات الفلسطينيين ودمرت عدداً كبيراً من السيارات، وجرفت العديد من الطرق الرئيسة المؤدية إلى المخيم والفرعية في محيطه، ما زاد من صعوبة وصول سيارات الإسعاف إلى المصابين، فضلاً عن استهداف قوات الاحتلال المباشر لمشافي مدينة جنين بالرصاص وقنابل الغاز السام، إضافة إلى اعتدائه على الصحفيين لمنعهم من فضح جرائمه.
تصدي فصائل المقاومة للعدوان بدأ منذ لحظاته الأولى، حيث تمكنت في اليوم الأول من إسقاط 3 طائرات مسيرة وتفجير عبوات ناسفة بجرافاته وآلياته، وفي ظل استبسال المقاومة بالتصدي للعدوان وفشل قواته في التوغل داخل المخيم قام الاحتلال فجر الثلاثاء اليوم الثاني للعدوان بتهجير نحو 3000 فلسطيني من منازلهم على أطراف المخيم تحت وابل من الرصاص وقنابل الغاز السام، واستولى عليها وحولها إلى مقار عسكرية إضافة إلى تخريبه الهائل للبنية التحتية، حيث دمر 300 منزل بشكل كلي ونحو 500 بشكل جزئي وشبكات الكهرباء والمياه.
غارات الاحتلال الجوية واستهدافه المكثف لأهالي المخيم ثاني أيام العدوان أدت إلى استشهاد فلسطينيين اثنين وإصابة العشرات واعتقال 180، ليرتفع عدد ضحايا المجزرة إلى 12 شهيداً بينهم 5 أطفال وأكثر من 140 جريحاً، إضافة إلى اعتقال 300 من أبناء المخيم، ورغم وحشية الاحتلال لم تتمكن قواته وآلياته المدرعة من الدخول إلى مركز المخيم.
ورداً على المجزرة انتفضت مدن وبلدات الضفة الغربية وقطاع غزة المحاصر نصرة للأهل في جنين ومخيمها ونفذت المقاومة عملية بطولية في “تل أبيب” أسفرت عن إصابة 10 مستوطنين قبل استشهاد المنفذ برصاص مستوطن، كما واصلت التصدي لاعتداءات الاحتلال، وأسقطت طائرتين مسيرتين ونفذت كمائن وفجرت عبوات ناسفة في آلياته العسكرية على أكثر من محور، موقعة قتلى وإصابات مباشرة في صفوف جنوده وسط تكتم الاحتلال على خسائره الكبيرة، حيث لم يعترف إلا بمقتل أحد جنوده خلال خروجه مدحوراً من جنين ومخيمها فجر الأربعاء لتسجل المقاومة انتصاراً آخر على المحتل وتلقنه درساً لن ينساه في الصمود والتحدي.
انتصار المقاومة في جنين أشاع الفرحة في مختلف مدن الضفة والقطاع وخرج الآلاف إلى الشوارع والساحات وهم يحملون أعلام فلسطين، مرددين هتافات تحيي بطولة المقاومة وشجاعتها، وتؤكد تشبث كل فلسطيني بأرضه ومواصلته الدفاع عنها حتى دحر الاحتلال عن كل شبر منها.
جمعة الجاسم – عاليا عيسى
متابعة أخبار سانا على تلغرام https://t.me/SyrianArabNewsAgency