دمشق- سانا
يعرض كتاب الهوية العربية رؤى في الصراع الفكري وأزمة الواقع للباحث عهد كمال شلغين إشكالية الهوية وسط تنوع الخصوصيات في المنطقة العربية وسعي جماعات بشرية مختلفة الحصول على هوية خاصة مزعومة تتنكر للهويات الأخرى وتهدف إلى إلغائها وتهميشها.
ورأى الباحث في الكتاب الصادر عن الهيئة السورية للكتاب أن الأزمة السياسية التاريخية التي تعصف بالمنطقة حاليا تقودنا إلى الإحباط الشديد وفقدان الثقة بالأنا قبل الأخر وبالذات قبل الموضوع معتبرا أن ثقافة الهوية في مجتمعنا أصبحت ثقافة السيف والرأس المقطوع أي ثقافة جماعة غالبة من البشر ينضوون تحت لواء مذهب أو طائفة أو عرق أو عقيدة فكرية ويتلبسون كل ذلك بوصفه هويتهم وانطلاقا منها يحددون معنى وجود من يغايرهم وقد يكون هذا التحديد إما بالقتل أو الطاعة والتبعية أو باللامبالاة.
وعلى هذا الأساس خلص الكاتب إلى أن مشكلة الهوية في الفكر العربي المعاصر تنبثق من انتقالنا من الواقع المعيشي إلى كيفية معالجة المفكرين العرب المعاصرين له يعني أننا إزاء مفارقة غريبة لم يتمكن المفكرون حتى الأن في ظهار العمق الحقيقي لأزمة الهوية.
وإن واقع الحال بحسب الباحث شلغين يظهر لنا خطابات متنوعة تصل إلى حال التناقض وكلها تروم ايجاد حل لمشكلة الانتماء وكلها يدعي الصدقية المطلقة بامتلاك الحقيقة المطلقة لذلك صار العربي لا يدري إلى أية هوية ينتمي فما كان منه إلا أن انغلق على نفسه وعاد إلى انتمائه الخاص سواء كان قبليا أو عشائريا أو طائفيا أو مذهبيا أوعرقيا.
وعرف الباحث شلغين الهوية بأنها مجموعة من الخصائص التاريخية واللغوية والنفسية التي تفصل بين جماعة وأخرى فهي نتاج حركة متعاقبة لجملة من الشروط التي تفرض على كل مرحلة مجموعة من التحولات النوعية في المجتمعات البشرية وتؤدي إلى حدوث نوع من عدم التوازن والاستقرار بين القديم الموروث والجديد الذي يسعى لفرض وجوده ما يستدعي وعي الخلفية التاريخية التي ولدت هذا التغيير والعوامل التي اسهمت في حدوثه.
وأما نحن العرب بحسب شلغين فإن الأحداث التي توالت على منطقتنا وغيرت مسار التاريخ العربي فمن دولة الخلافة العربية التي انتهت بسقوط العباسيين وما رافقها من صراع على السلطة بين الممالك المحلية إلى مرحلة جديدة بدأت بالتدخل الأجنبي الذي عمل على فرض وجوده عسكريا مستغلا ضعف العرب في تلك الحقبة.
ولفت شلغين إلى أن العرب لم يكونوا قد استوعبوا بعد التغير الكبير المتجسد في انهيار الخلافة العربية التي استمرت قرونا عديدة ليجدوا أنفسهم أمام واقع جديد تمثل بالتبعية للأخر رافقها حالة من الضعف الثقافي إذ أن المنطقة العربية عموما أصبحت خاضعة للاحتلال العثماني الذي استمر مدة طويلة لينتقل العرب بذلك من مرحلة الخلفاء في مرحلة السلاطين مع وجود رابط مشترك بين المرحلتين تجسد في العامل الديني الذي لعب دورا كبيرا في استمرار الحكم العثماني مدة طويلة إلى حين ظهور قوة عالمية جديدة تسعى لفرض هيمنتها على الآخرين ترافقت مع ضعف العثمانيين لتبدأ مرحلة جديدة من الهيمنة تمثلت بالغرب الذي بدأ باحتلال المنطقة العربية.
وأشار الكاتب إلى أنه بعد مرحلة الهيمنة الجديدة على المنطقة العربية اتيح للعرب الاتصال والانفتاح على الحضارة الحديثة بمختلف جوانبها من إدارة سياسية إلى أدب وعلوم وفنون وطباعة وصحافة فأسهم كل ذلك دون قصد غالبا في إعادة تشكيل وعي جديد وبناء ثقافة نهضوية تحاول تجديد الواقع العربي وإصلاحه كان عمادها ظهور جمعيات ومنتديات أكدت في أهدافها على بعث التراث العربي وإحيائه.
وبرزت حركات أخرى كما جاء في الكتاب منها الحركة الفكرية والسياسية في المشرق العربي واتجاهات اجتماعية جديدة ودعوات فكرية إلى التحديث فبدأت تطرح مفاهيم نهضوية كالوحدة والحرية وأن العرب أمة واحدة ومن هذه الأفكار ما طرحه عبد الرحمن الكواكبي إذ رأى أن اللغة العربية هي الرابطة الأولى بين العرب، مبينا أن ظهور الاتجاه القومي في النصف الأخير من القرن التاسع عشر تزامن مع رفض الوجود الخارجي والسعي للتخلص من هيمنته.
ومن الأحداث المتتالية راح العرب يواجهون مجموعة من الأزمات التي لا بد من العمل على تحليلها والوقوف عند تأثيراتها واللافت أن العرب يعيشون اليوم جملة من المشكلات التي تقادم عليها الزمن دون أن يجدوا لها حلا واقعيا كمشكلة الوحدة القومية وتحرير فلسطين والتبعية والهوية.
في الكتاب بحوث أخرى في مشكلة الهوية والواقع العربي وأثر الايديولوجيات الدينية وفعاليتها وتسييس الدين والخطاب الايديولوجي الاقليمي ومستقبل الهوية في الوطن العربي والتحديد النظري لمفهوم الهوية وغير ذلك من المواضيع التي أدت إلى الشعور بالانتماء وتعدد الهويات.