الخصائص والمزايا العمرانية لخانات دمشق الأثرية

دمشق-سانا

انتشرت الخانات في مدينة دمشق القديمة في المناطق التي ازدهر فيها النشاط التجاري كالمنطقة المحيطة بالجامع الأموي وأسواقها التجارية وسوق مدحت باشا والمنطقة الواقعة خارج باب الجابية والتي شكلت نقطة وصول وانطلاق القوافل التجارية وقوافل الحجيج من وإلى مصر وحوران والجزيرة العربية والمنطقة الواقعة خارج باب الفرج والتي كانت نقطة وصول القوافل الآتية في حلب وشواطئ البحر المتوسط.

ويقول المؤرخ الدكتور محمود السيد قارئ النقوش الكتابية القديمة في المديرية العامة للآثار والمتاحف ان أول خان بني في مدينة دمشق يؤرخ بالعصر الأموي بالقرن الثامن الميلادي ثم بني خانان في العهد العباسي خلال القرنين التاسع والعاشر الميلاديين وخانان في العهد الفاطمي في القرن الحادي عشر الميلادي وخان واحد في العهد السلجوقي في القرن الثاني عشر الميلادي واثنان وعشرون خانا في العهد الزنكي في القرن الثاني عشر وأربعة وعشرون خانا في العهد الأيوبي خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين ومئة وتسعة وأربعون خانا في العهد المملوكي خلال الفترة الواقعة ما بين القرنين الثالث عشر
والسادس عشر الميلاديين.

وأكد المؤرخ السيد أن عدد الخانات ازداد في دمشق بشكل ملحوظ بدءا من القرن السادس عشر الميلادي بفضل ازدهار تجارة دمشق مع مصر والعراق وإيران وازدهار تجارة الحج فقد بني في دمشق ثمانون خانا في العهد العثماني في الفترة الواقعة ما بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر الميلاديين ونجم عن ازدهار تجارة دمشق المتعلقة بالحج بناء الخانات الكبيرة كخانات سليمان باشا وأسعد باشا وانتشار نموذج الخانات ذات الباحات المغطاة بالقباب في القرن الثامن عشر الميلادي موضحا أن خانات الطرق ظهرت في العصر الأموي في نهاية القرن السابع الميلادي بينما تأخر ظهور خانات المدن في ذلك العصر حتى القرن الثامن الميلادي وفي العصر العباسي في القرن التاسع الميلادي.

وبين السيد أن النموذج السوري لخانات الطرق كان عبارة عن باحة مكشوفة محاطة بأروقة مسقوفة وأقيمت غالبا في هذه الخانات غرفتان صغيرتان عند مدخل الخان تقعان على يمين الداخل ويساره.

وكلمة فندق كلمة يونانية عربت في العصر الأموي واستخدمت فقط في الأقطار العربية وكانت تعبر عن الخان وبقيت مستخدمة منذ العهد الأموي حتى القرن الرابع عشر الميلادي وأن كلمة خان فارسية الأصل والتي اقتبست من كلمة خانة وتعني مكان محل قد استعملت منذ بداية العصر الإسلامي للدلالة على خانات الطرق ثم خانات المدن وأن عبارة كروان سراي فارسية الأصل أيضا والتي تعني قصر القوافل استخدمت منذ بداية العصر السلجوقي للدلالة على خانات الطرق الفخمة وقد بقيت كلمة خان مخصصة لخانات الطرق في سورية و مصر حتى العهد الأيوبي وانتشرت في العصر المملوكي في القرن الخامس عشر الميلادي وفي العهد العثماني بقيت كلمة خان تستخدم في سورية في حين استبدلت في مصر بعبارة وكالة.

وبين السيد أن دراسة البنية الإنشائية والعمرانية لخانات دمشق الأثرية توثق بناء هذه الخانات وفق أربعة نماذج فهناك خانات ذات بهو مغطى بالقباب وهو نموذج اتبع في بناء القيساريات التي زود بعضها بربع علوي.

وتابع السيد انه ابتداء من القرن الخامس عشر الميلادي لم يعد هذا النموذج مستخدما في العهد المملوكي ومع قدوم العثمانيين عاد نموذج بناء الخانات ذات البهو المغطى بالقباب إلى الظهور من جديد وأطلق عليه اسم بدستان أما النموذج الثاني لبناء الخانات فارتكز على باحة مكشوفة وأصبحت أكثر الخانات في العصر المملوكي مزودة بباحة مكشوفة وطابق علوي أو أكثر.

ولفت خبير الأثار السوري الى أنه في العهدين المملوكي والعثماني بنيت الخانات ذات الطابق العلوي والذي يصعد إليه مباشرة من الشارع دون الدخول إلى باحة الخان ومع نهاية القرن السادس عشر الميلادي ظهر في دمشق نموذج يرتكز على تغطية باحات الخانات بالقباب وشاع بناء الخانات في دمشق وفق هذا الطراز العمراني في القرن الثامن عشر الميلادي و أصبحت الطوابق العلوية في بعض الخانات محجوبة بواسطة جدران مزودة ببعض النوافذ عن نظر من كان يوجد في الطابق الأرضي وأهم الأمثلة عن هذا النموذج من بناء الخانات خان أسعد باشا المبني خلال الفترة الواقعة بين عامي 1752/1753 م و فيه يلاحظ أن الطابق العلوي نصف محجوب وتتميز هذه الخانات بمخازن مقبية أو مغطاة بقبوة استمرت في الاستخدام حتى نهاية القرن الثامن عشر الميلادي و يلاحظ في هذه الخانات أن معظم المخازن والغرف كانت مقبية على شكل سريري في حين كانت القاعات والصالات الواسعة والإصطبلات ذات عقود متصالبة وغطيت الرواقات الأرضية غالبا بقبوات متصالبة في حين غطيت بعض الرواقات العلوية بقباب صغيرة وبعضها الآخر بقبوات سريرية وفي القرن التاسع عشر الميلادي ظهرت المخازن المغطاة بسقوف أفقية من مونة قصرمل وهي مونة مكونة من التراب الأحمر والكلس والرماد بنسب معينة وكانت تستعمل في الجدران المبنية من الحجر الطبيعي أو من الآجر، وهي ذات متانة ضعيفة.

ومع بداية القرن العشرين الميلادي ظهرت السقوف الخشبية الملونة وفي عام 1920 ظهرت السقوف الأمنية.

واشار السيد الى أن خان أسعد باشا بدمشق هو أول خان عرف المخازن المؤلفة من قسمين مكتب ومستودع و فيها غطي القسم الأول الخارجي بقبوة متصالبة أو سقف أفقي في حين غطي القسم الثاني الخارجي بقبوة سريرية أو سقف أفقي وأن خانات دمشق زودت بمصاطب لينام عليها المسافرون.

عماد الدغلي